ما هي هويتي؟ «متفرقات
"الفكر الموحّد، الأنسنة التي تأخذ مكان يسوع، الإنسان الحقيقيّ، تدمر الهويّة المسيحيّة. لا نَضعَنََّ هويّتنا في المزاد العلنيّ" هذه هي الدّعوة التي وجّهها قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الإثنين في كابلة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان.
تُحدّثنا القراءة الأولى التي تقدّمها لنا الليتورجيّة اليوم من سفر المكابيِّين الأوّل (1/ 10- 46) عن "عُرقٍ أثيمٍ" خرج في تلك الأيّام: الملك أنطيوكس الذي َأَطلَقَ َ لشعب إسرائيل أَن يَصنَعوا بِحَسَبِ أَحكامِ ٱلأُمَم، أي للشّعب المُختار، الكنيسة في ذلك الوقت.
تابع البابا فرنسيس شارحًا صورة العرق الذي يمتدُّ تحت الأرض، وقال هذه هي ظواهريّة العرق: لا يمكننا رؤيته، وبالتالي يبدو أنّه لا يؤذي ولكنّه ينمو فيما بعد ويُظهِر حقيقته، لقد كان عرق مُقنعًا دفع بعض الاسرائيليّين للتحالف مع الأمم القريبة منهم لتتمَّ حمايتهم، فراحوا يقولون فيما بينهم: لماذا هذا الاختلاف؟ فإنّا مُنذُ ٱنفَصَلنا عَنهُم، لَحِقتنا شُرورٌ كَثيرَة. لنذهب إليهم ولنشابههم.
ويشرح الأب الأقدس هذه القراءة بثلاث كلمات: روح العالم، إرتداد وإلحاد، إضطهاد. فروح العالم يدفعنا لنقوم بما يقوم به العالم، أي كمن يقول: "لنضع هويّتنا في المزاد العلنيّ لأنّنا جميعنا متشابهين". هكذا ترك العديد من الإسرائيليّين إيمانهم وابتعدوا عن العهد المقدّس. وما بدا لهم مُقنّعًا - إن كنّا كالباقين فسنكون طبيعيّين - أصبح دمارهم.
بعدها "َكَتَبَ ٱلمَلِكُ أَنطيوكُسُ إِلى مَملَكَتِهِ كُلِّها، بِأَن يَكونوا جَميعُهُم شَعبًا واحِدًا - الفكر الموحّد، روح العالم - وكلّ فرد يترك عاداته وتقاليده. فَأَذعَنَتِ ٱلأُمَمُ بِأَسرِها لِكَلامِ ٱلمَلِكِ، وَكَثيرونَ مِن إِسرائيلَ ٱرتَضوا دينَهُ، وَذَبَحوا لِلأَصنامِ وَدَنَّسوا ٱلسَّبت: هذا هو الإرتداد والإلحاد. أي روح العالم يحملك على الفكر الموحّد وعلى الإلحاد. لا يُسمح بالإختلافات: الجميع متساوون. وقد رأينا في تاريخ الكنيسة كما في تاريخ العالم أنّه قد تمّ تغيير إسم الأعياد الدينيّة، وأفكّر بحالة معيّنة وهو عيد ميلاد الرّبّ الذي أصبح يُعرف باسم آخر، لكي تُمحى هويّته.
تابع الحبر الأعظم يقول "وَكانوا يُقَتِّرونَ عَلى أَبوابِ ٱلبُيوتِ وَفي ٱلسّاحاتِ. وَما وَجَدوه مِن أَسفارِ ٱلشَّريعَةِ مَزَّقوهُ وَأَحرَقوه بِٱلنّارِ. وَكُلُّ مَن وُجِدَ عِندَهُ سِفرٌ مِنَ ٱلعَهدِ أَوِ ٱتَّبَعَ ٱلشَّريعَةَ، كانَ مَقتولاً بِأَمرِ ٱلمَلِكِ" وهذا هو الإضطهاد الذي بدأ بسبب "العرق الأثيم". لقد أثّر بي على الدوام كيف أن الرّبّ في العشاء الأخير وفي تلك الصلاة الطويلة التي رفعها صلّى من أجل وحدة خاصّته وطلب من الآب أن يحرّرهم من روح العالم، لأنّ روح العالم يدمّر الهويّة؛ روح العالم يحمل على الفكر الموحد.
يبدأ بعرق صغير وينتهي في اليأس والإضطهاد. هذا هو خداع روح العالم ولذلك يطلب يسوع من الآب في ذاك العشاء "لا أَسأَلُكَ أَن تُخرِجَهُم مِنَ العالَم بل أَن تَحفَظَهم مِنَ الشِّرّير" أي إحفظهم من هذه الذهنيّة وهذه الأنسنة التي تأتي لتحلّ مكان الإنسان الحقيقيّ يسوع المسيح، وتأتي لتسلبنا هويّتنا المسيحيّة وتحملنا على التفكير الموحّد: "هكذا يتصرّف الجميع لماذا لا نتصرّف هكذا نحن أيضًا؟" لكن ما يحدث في هذه الأزمنة ينبغي أن يجعلنا نفكّر: "ما هي هويتي؟" هل هي مسيحيّة أو دنيويّة؟
هل أعتبر نفسي مسيحيًّا فقط لأنّني نلت سرّ المعموديّة في طفولتي ولأنّني وُلدت في بلد مسيحيّ حيث جميع النّاس هم مسيحيّون أيضًا؟ إنّ روح العالم الذي يدخل ببطء ينمو ويبرّر ذاته ويعدي: ينمو كذاك العرق ويبرّر ذاته قائلاً: "بهذه الطريقة نحن نتصرّف مثل بقيّة النّاس وبالتّالي لسنا مختلفين عنهم" - فروح العالم يسعى دائمًا لتبرير ذاته وفي النهاية يعدي ومنه تنبثق شرور كثيرة.
تدعونا الليتورجيّة في هذه الأيّام الأخيرة من السنة الليتورجيّة لنتنبّه للعروق السّامة التي تحملنا بعيدًا عن الربّ. لنطلب من الربّ من أجل الكنيسة، لكي يحفظها من روح العالم بجميع أشكاله، ولكي تحافظ الكنيسة على الدوام على الهويّة التي نالتها من يسوع المسيح ونحافظ نحن بدورنا على الهويّة التي نلناها في المعموديّة ولكي لا نتخلى عن هذه الهويّة لنكون مثل الآخرين. ليمنحنا الرّبّ هذه النعمة فنحافظ على هويّتنا المسيحيّة ونحرسها من روح العالم الذي ينمو على الدوام ويبرِّر ذاته ويعدي.
إذاعة الفاتيكان.