لا تتعبوا أبدًا من منح المغفرة! «متفرقات
في إطار الاحتفال "بيوبيل الرَّحمة" وبحضور جثمانَيّ القدّيس بادري بيّو والقدّيس ليوبولدو مانديتش ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الثلاثاء القدّاس الإلهيّ في بازيليك القدّيس بطرس مع الإخوة الكبوشيِّين الأصاغر قدِموا من مختلف أنحاء العالم وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها:
تقدّم لنا ليتورجيّة الكلمة اليوم موقفين: موقف عظمة أمام الله يُعبِّر عنه في تواضع الملك سليمان (سفر الملوك الأول8/ 22 - 30)، وموقف التفاهة الذي يُخبرنا عنه يسوع من خلال حديثه عن الكتبة والفرّيسيين الذين كانوا يتركون الشّريعة جانبًا ليحافظوا على تقاليدهم المحدودة. (إنجيل مرقس 7/ 1- 13).
إنّ تقليدكم الكبوشيّ هو تقليد مغفرة وغفران. هناك بينكم العديد من المعرِّفين الصَّالحين وهذا لأنهّم يشعرون بأنّهم خطأة ويصلّون على الدوام أمام عظمة الله قائلين: "أصغِ يا ربّ واغفر". ولأنّهم يعرفون كيف يصلّون هكذا يعرفون أيضًا كيف يغفرون. فالمتواضع الذي يشعر بخطيئته يمكنه أن يغفر كثيرًا في كرسي الاعتراف، أمّا الذي يكون على مثال الكتبة وعلماء الشّريعة الذين يشعرون بأنّهم معلّمون أطهار وأنقياء فهم يعرفون فقط كيف يحكمون ويدينون.
أحدثكم كأخ ومن خلالكم أرغب بالتوجّه إلى جميع المعرّفين لاسيّما خلال سنة الرَّحمة هذه: إنّ كرسي الاعتراف هو للمغفرة. وإن لم يكن بإمكانك منح الحلّة للخاطئ – إن افترضنا هذا الأمر – فلا تكن قاسيًا معه.
إنّ الشخص الذي يأتي للاعتراف يأتي بحثًا عن التعزية والمغفرة والسَّلام لنفسه؛ ويرغب بأن يجد أبًا يعانقه ويقول له: "الله يحبّك" ويجعله يشعر بهذا الحبّ! يؤسفني أن أقول هذا ولكن كم من الأشخاص يقولون – وأعتقد أنّ الأكثريّة منّا قد سمعوا هذا الأمر – "أنا لا أتقدّم من سِرّ الاعتراف لأنني عشت خبرة كذا وكذا...".
أمّا أنتم الكبوشيِّين فتملكون عطيّة الربِّ المميّزة هذه: المغفرة؛ ولذلك أطلب منكم: لا تتعبوا من منح المغفرة! أُفكّر بكاهن تعرّفت عليه في الأبرشيّة، والذي وبعد أن أنهى زمن خدمته كحارس ورئيس إقليم وهو في السبعين من عمره أُرسل إلى أحدى المزارات ليُعرِّف. وقد كان الناس يأتون بأعداد هائلة إليه للإعتراف: كهنة ومؤمنون علمانيّون، أغنياء وفقراء! لقد عُرِف بتسامحه ومغفرته، إذ كان يجد على الدوام الطريقة والأسلوب ليغفر أو ليمنح التائب سلام النفس.
وفي إحدى المرّات ذهبت لرؤيته وقال لي: "أنت أسقف وبإمكانك أن تشرح لي: أعتقد أنني أُخطئ لأنني أغفر للجميع وعلى الدوام وبالتالي هذا الأمر يجعلني أشعر ببعض الريب والشّك". فسألته: "ولماذا؟" فأجابني: "لا أعرف ولكنني أجد على الدوام الأسلوب لأسامح وأغفر..." فقلت له: "وماذا تفعل عندما يراودك هذا الشّك؟" فأجابني: "أتوجّه إلى الكنيسة، وأقف أمام بيت القربان وأقول للرَّبّ: سامحني يا ربّ واغفر لي، لأنني أعتقد أنني غفرت كثيرًا اليوم، ولكن يا ربّ أنت من علّمني هذه المغفرة!" نعم! كونوا رجال مغفرة ومصالحة وسلام!
هناك العديد من الأساليب واللغات للتعاطي مع الآخرين في الحياة: هناك لغة الكلام وإنّما هناك أيضًا لغة التصرّفات. عندما يقترب منّي شخص ما في كرسيّ الاعتراف، فذلك لأنّه يشعر أنّ هناك ما يُثقِّل كاهله ويريد أن يتخلّص منه، لربما لا يعرف أحيانًا كيف يعبّر عنه في الكلام ولكن هذا ما يقوله تصرّفه، لأنّه باقترابه من كرسي الاعتراف هو يظهر رغبته بأن يغيِّر حياته ويصبح شخصًا آخر. لذلك ليس من الضّروريّ أن نتعبه بالأسئلة، لأنَّ الشّخص الذي يتقدّم من سرّ الاعتراف هو نادم ولا يريد أن يخطأ مجدّدًا؛ ولكنّنا نعلم أنّه غالبًا ما لا يتمكن هذا الشّخص من الحفاظ على مقاصده الصَّالحة لأسباب نفسيّة أو بسبب ظروف حياته...
إنّ المغفرة هي لمسة حنان الله. ثقوا بمغفرة الله، ولا تسقطوا في البيلاجيانيّة. أنتم تملكون مواهب المعرّفين استعيدوها وجدّدوها على الدّوام، واغفروا كثيرًا لأنّ الذي لا يعرف كيف يغفر ينتهي كمعلّمي الشريعة هؤلاء الذين يحدّثنا عنهم الإنجيل: يحكمون على الآخرين ويدينونهم... ومن هو المُتَّهِم بحسب الكتاب المقدّس؟ إنّه إبليس! وبالتالي إمّا تقوم بخدمة يسوع الذي يغفر ويعطي الحياة وتجلس لساعات في كرسي الاعتراف على مثال هذين القدِّيسَين ليوبولدو وبادري بيو؛ أو تقوم بخدمة إبليس الذي يحاكم ويدين...
من خلالكم أقول هذا لجميع الكهنة الذين يذهبون لمنح سرّ الاعتراف: أوَّلاً إن كنت تشعر بأنّك غير قادر على المغفرة تحلّى إذًا بالتواضع لتقول: أنا أحتفل بالذبيحة الإلهيّة وحسب أو أفعل أي شيء آخر ولكنني لا أُعرِّف لأنني لا أعرف كيف أمنح هذا السرّ بشكل جيّد؛ وثانيًا أُطلب من الرّبّ النعمة لتمنح هذا السرّ بشكلٍ جيّد، نعمة أطلبها لكلِّ فرد منكم ولجميع المعرّفين ولي أنا أيضًا.
موقع الكرسي الرسولي.