كلمة قداسة البابا خلال اللقاء مع البطريرك دانيال «متفرقات
قداسة البطريرك، أصحاب السيادة مطارنة مجلس الأساقفة المقدّس،
ألمسيح قام (Cristos a înviat)! إن قيامة الربّ هي قلب البشارة الرسولية التي تنقلها وتحفظها كنائسنا. لقد فرح الرسل يوم الفصح برؤية القائم من الموت (يو 20، 20). أنا أيضًا أفرح في زمن الفصح هذا، بالتأمّل في وجوهكم، أيّها الإخوة الأعزّاء. قبل عشرين سنة، أمام مجلس الأساقفة المقدّس هذا، قال البابا يوحنّا بولس الثاني: "لقد جئت للتأمّل بوجه المسيح المنحوت في كنيستكم؛ لقد جئت لأكرّم هذا الوجه المتألّم، عربون رجاء جديد" (القدّيس يوحنا بولس الثاني، كلمة البابا للبطريرك تيوكتيست ولمجلس الأساقفة، 8 مايو/أيار 1999. تعاليم XXII، 1 [1999]، 938). وقد جئت اليوم أنا أيضًا إلى هنا، حاجّ، أخ حاجّ، يتوق لرؤية وجه الربّ في وجوه الإخوة؛ وأنا أنظر إليكم، أشكركم بحرارة على استقبالكم.
إن روابط الإيمان التي تجمعنا ترجع إلى الرسل، إلى شهود القائم من الموت، ولا سيما إلى الرابط الذي يجمع بطرس بأندراوس الذي، وفقًا للتقاليد، قد أتى بالإيمان إلى هذه الأراضي. كانا شقيقين (مر 1، 16)، وصارا أيضًا أخوين بطريقة فريدة، عبر إراقة دمائهما من أجل الربّ. إنهما يذكّراننا بأن هناك إخوّة دم تسبقنا وأنها، على غرار تيار صامت يعطي الحياة، لم تتوقّف عن ريّ مسيرتنا ومساندتها على مرّ القرون.
لقد اختبرتم هنا -كما هو الحال في العديد من الأماكن الأخرى في عصرنا- فصح الموت والقيامة: فقد عانى العديد من أبناء وبنات هذا البلد، من مختلف الكنائس والجماعات المسيحيّة، "جمعة" الاضطهاد، وعبروا "سبت" الصمت، وعاشوا "أحد" الولادة الجديدة. كم من الشهداء والمعترفين! كثيرون، من مختلف الطوائف، كانوا في الآونة الأخيرة جنباً إلى جنب في السجون يدعمون بعضهم البعض. ويبقى مثالهم اليوم أمامنا وأمام الأجيال الجديدة التي لم تعرف تلك الظروف المأساويّة. إن ما عانوا من أجله، إلى حدّ تقدمة الحياة، هو تراث ثمين للغاية، لا يمكن نسيانه أو خزيه. وهو تراث مشترك، يدعونا إلى عدم الابتعاد عن الأخ الذي يشاركنا به. متّحدون بالمسيح في المعاناة والألم، ويوحّدنا المسيح في القيامة "لِنَحْيا نَحنُ أَيضًا حَياةً جَديدة" (روم 6، 4).
قداسة البطريرك، أيها الأخ العزيز، لقد شكّل اللقاء بين أسلافنا، قبل عشرين عامًا، هدية فصحية، وهو حدث ساهم ليس فقط في إحياء العلاقات بين الأرثوذكس والكاثوليك في رومانيا، ولكن أيضًا في الحوار بين الكاثوليك والأرثوذكس بشكل عام. تلك الزيارة، التي كرّسها أسقف روما للمرّة الأولى لدولة أرثوذكسيّة في الغالب، مهّدت الطريق لأحداث مماثلة أخرى. أودّ أن أتوجّه بتحيّة امتنان لذكرى البطريرك تيوكتيست. كيف يمكننا أن ننسى الصرخة العفويّة "اتّحدوا، اتّحدوا!"، التي عَلَت هنا في بوخارست في تلك الأيام؟ لقد كان إعلانًا عن رجاء انبثق من شعب الله، وعن نبوءة افتتحت زمنًا جديدًا: زمن السير معًا في إعادة اكتشاف وإيقاظ الأخوّة التي توحّدنا منذ الآن. وهذه هي الوحدة منذ الآن.
السير سويًّا مع قوّة الذاكرة. لا ذاكرة الأخطاء التي اقترفت ضدنا أو جرحتنا، أو الانتقادات والأحكام المسبقة والحرمان الكنسي، التي تُغلقنا في حلقة مفرغة تقود إلى اتّخاذ مواقف عقيمة، إنما ذاكرة الجذور: القرون الأولى التي أعلن فيها الإنجيل بكلّ جهارة وروح تنبّؤ، وأنار شعوبًا وثقافات جديدة؛ القرون الأولى، قرون الشهداء، والآباء والمعترفين، والقداسة اليوميّة التي يعيشها ويشهد لها الكثير من الناس البسطاء الذين يتشاركون المسيح نفسه. القرون الأولى، قرون الجهارة وروح التنبؤ. الشكر لله على أن جذورنا سليمة، إنها سليمة ومتينة، حتى وإن كان النموّ قد عانى من التشويهات والمآسي الزمنية، فنحن مدعوّون، مثل صاحب المزامير، لأن نتذكّر بامتنان ما صنعه الربّ بنا، وأن نرفع إليه التسبيح بعضنا عن بعض (مز 77، 6. 12- 13). إن ذكرى الخطوات التي قمنا بها معاً تشجّعنا على المضيّ قدماً نحو المستقبل مدركين -بالتأكيد- اختلافاتنا ولكن رافعين الشكران قبل كلّ شيء على الأجواء العائلية التي يجب إعادة اكتشافها، ومستعيدين ذكرى الشركة الكنسية التي يجب تأجيجها، والتي تُلقي النور كسراجٍ على خطوات مسيرتنا.
السير معًا بإصغاء للربّ. وما صنعه الربّ يوم الفصح أثناء سيره مع التلميذين في الطريق إلى عمّاوس هو مثال لنا. كانا يَتحدَّثانِ بِالأُمورِ الَّتي جَرَت، وبما يشغلهما، وبالشكوك والأسئلة. وقد أصغى الربّ إليهما بصبر وتحدّث بقلب منفتح معهما كيما يساعدهما على فهم الأحداث وتمييزها (لو 24، 15- 24).
نحن أيضًا بحاجة إلى الاصغاء للربّ معًا، خاصة في هذه الآونة الأخيرة، حيث أدّت طرق العالم إلى تغييرات اجتماعيّة وثقافيّة سريعة. واستفاد الكثيرون من التطوّر التكنولوجي والرفاهية الاقتصادية، لكن الغالبية بقيت مستبعدة بشدّة، في حين ساهمت عولمة جانست الشعوب، في القضاء على قيمها، وإضعاف الأخلاق والحياة المشتركة التي لوّثها في السنوات الأخيرة إحساسٌ شامل بالخوف -غالبًا ما يُحَرَّض عليه بسابق تصميم مُتقن- يؤدّي إلى الانغلاق والكراهية. نحتاج لأن نساعد أنفسنا على عدم الاستسلام لإغراءات "ثقافة الكراهية" والثقافة الفرديّة التي، ربما لم تعد أيديولوجية كما في زمن اضطهاد الإلحاد، لكنها أكثر إقناعًا وليست أقلّ مادّية. فهي غالبًا ما تعرض ما يبدو فوريًّا وحاسمًا كطريق للتنمية، لكنه في الواقع غير مبال وسطحيّ. أمّا هشاشة الروابط، التي تتوصّل إلى عزل الناس، تؤثّر بشكل خاص على الخليّة الأساسية في المجتمع، أي الأسرة، وتطلّب منّا جهد الخروج لملاقاة معاناة إخوتنا وأخواتنا، وخاصّة الأصغر سنًّا، ولكن لا بإحباط وحنين، مثل تلميذي عمّاوس، إنما مع الرغبة في منحهم يسوع القائم، قلب الرجاء. إننا نحتاج لأن نجدّد مع أخينا الاصغاء إلى كلمات الربّ، كيما يتّقد قلبنا معًا ولا تضعف البشارة (الآيات 32. 35). إننا نحتاج لأن ندفئ قلوبنا بقوّة الروح القدس.
إنّ المسار يصل إلى الهدف، كما هو الحال في عمّاوس، عبر الصلاة الملحّة كيما يبقى الربّ معنا (الآيات 28- 29). هو الذي يظهر نفسه عند كسر الخبز (الآيات 30- 31)، يدعونا إلى الرحمة، إلى الخدمة معًا؛ إلى أن "نعطي الله" قبل أن "نقول الله"؛ إلى عدم التكاسل في الصلاح، بل أن نكون على استعداد للنهوض والذهاب، نشيطين ومتعاونين (آية 33). وفي هذا النحو، تشكّل مثالًا لنا العديدُ من الجماعات الرومانية الأرثوذكسية التي تتعاون بشكل ممتاز مع الأبرشيات الكاثوليكية المتعدّدة في أوروبا الغربية حيث تتواجد. وقد نَمَت، في العديد من الحالات، علاقة من الثقة المتبادلة والصداقة، تقوم على الأخوّة، تنمّيها أعمال ملموسة من الاستضافة والدعم والتضامن. ومن خلال هذا التخالط المتبادل، اكتشف العديد من الرومانيين الكاثوليك والأرثوذكس، أنهم ليسوا غرباء عن بعضهم البعض، لكنهم أخوة وأصدقاء.
السير معا نحو عنصرة جديدة. إن المسيرة التي تنتظرنا تذهب من الفصح إلى العنصرة: من فجر ذاك الفصح الموحّد، الذي نشأ هنا قبل عشرين عامًا، قد وُجِّهنا نحو عنصرة جديدة. فبالنسبة للتلاميذ، قد شكّل يوم الفصح بداية مسيرة جديدة لم تنطوِ فيها مع ذلك، المخاوف والشكوك. ودام الأمر حتى يوم العنصرة عندما شهد الرسل، وقد اجتمعوا حول أمّ الله القدّيسة، بروح واحدة وبتعدّدية اللغات وغناها، للقائم من الموت عبر كلامهم وعبر حياتهم. وقد انطلق مسارنا مجدّدا من يقين وجود الأخ بقربنا، يقاسمنا الإيمان القائم على قيامة الربّ نفسه. من الفصح إلى العنصرة: وقت لنستجمع أفكارنا في الصلاة في ظلّ حماية أمّ الله القدّيسة، ولاستدعاء الروح القدس لبعضنا لبعض. ليجدّدنا الروح القدس، الذي يأبى التماثل ويحبّ صنع الوحدة في أجمل تنوّع متناغم. ولتلتهم نيرانه شكوكنا؛ ولتبعِد ريحُه تردّدنا الذي يمنعنا من أن نشهد معًا للحياة الجديدة التي يمنحنا إياها. وليمنحنا هو، صانع الأخوّة، نعمة السير معًا. ويجعلنا هو، خالق كلّ جديد، شجعانًا في اختبار طرق جديدة من المشاركة والرسالة. وليساعدنا هو، قوّة الشهداء، على عدم هدر تضحياتهم.
قداسة البطريرك، أيّها الإخوة الأعزّاء، دعونا نسير معًا، لمجد الثالوث الأقدس وللمنفعة المتبادلة، كي نساعد إخوتنا على رؤية يسوع. أجدّد امتناني، وأؤكّد لكم محبّتي وصداقتي وأخوّتي وصلاتي، ومحبّة الكنيسة الكاثوليكية وصداقتها وأخوّتها وصلاتها.
الزيارة الرّسولية إلى رومانيا
كلمة قداسة البابا فرنسيس
خلال اللقاء مع البطريرك دانيال ومجلس الأساقفة المقدّس
بوخارست– مقرّ البطريركية الأرثوذكسية
الجمعة 31 مايو / أيار 2019
موقع الكرسي الرسولي