عيد ثوب سيدة الكرمل «متفرقات
يقع جبل الكرمل على بعد 20 ميل من بلدة النّاصرة وهو كان رمز النّعـمة والبركـة والجمال كما جاء عنـه فـى نبؤتـيّ أشعيا وإرميا:
"قد أوتيتْ مجد لبنان وبهاء الكرمـل" (اشعيا2:35)
و"وأعيد إسرائيل إلـى مرتعـه فيرعـى فـي الكرمـل وباشان وتشبع نفسه" (إرميا19:50)
وهو أيضاً الجبل الذي تحدّى إيليّا عليـه أنبيـاء البعل (3ملوك20:18-40)، وعلى الجبل نفسه صلّى إيليّا لسقوط الأمطار (3ملوك41:18-46)
وفى القرن الثانى عشر ذهبت مجموعة من الرّهبان للتعبّد على هذا الجبل فى الجليل متّخذين العذراء مريم شفيعة لهم وأسّسوا رهبنـة الكرمليت.
وكانت الرهبانيّة الكرمليّة تعيش على حافة الهاوية: بسبب عدد الرّهبان القليل جداً، والغالبيّة منهم كانوا متقدّمين في السّن. كما كانت الدّعوات الجديدة قليلة. وكان حينذاك لا يقبلون بسهولة الرّهبان القادمين من الشّرق ليخدموا في الغرب. فبعض الأساقفة والرؤساء الرّوحيّين لم يسمحوا لهم أن يداوموا أو يشتركوا في الإحتفال بالقدّاس والفرض الكنسيّ في رعاياهم وكنائسهم، وحتّى أن يدفنوا موتاهم في مقابر الأبرشيّة.
كما كان ممنوعًا عليهم أن يبنوا كنائس خاصّة بهم ضمن أبرشيّتهم أو أن يقرعوا النواقيس. كانوا يعدّونهم غرباء وافدين من شرق مجهول لا أصل لهم ولا هويّة، ولا إعترافاً كنسيّاً صريحاً وواضحاً برهبانيّتهم. فكانت جميع النوافذ مغلقة في وجه الرهبانيّة.
فبدأ القدّيس سمعان ستوك جاهداً بفكرة إنشاء الرّهبنات، متضرّعاً من مريم البتول أن تكون معه في هذا العمل. فاجتمع ببعض من الرّهبان وقال لهم "أيّها الآباء الرّهبان الأجلاّء لن يستطيع أحد الدّفاع عن الرّهبانيّة وإنهاضها بقوّة، إلاَّ أمّها بالذات مريم البتول. ألسنا نحن إخوتها وأبناؤها! إذن على الإخوة الكرمليّين أن يستعينوا بأختهم القديرة. يجب أن نتوسّل إلى مريم العذراء، سيّدة الكرمل، طالبين منها امتيازاً فريداً علامة حسّية تبرهن بها على استمرار حمايتها لإخوتها وأبنائها".
وكان يصلّي ويوقد الشموع والبخور كلّ يوم مُسبِّحاً مريم العذراء ويصفها بزهرة الكرمل "يا زهرة الكرمل، يا كرمة مثمرة، يا ضياء السّماء، يا مريم العذراء، أنتِ وحدكِ الأمّ الشّفوقة، البتول المتواضعة، التي لم تعرف رجلاً، أعطي أولادكِ، أولاد الكرمل إمتيازاً فريداً، يا نجمة البحر". وقد سمّاها (نجمة البحر) استناداً إلى البحّارين، حيث عندما يكونوا في وسط الأخطار يتطلّعون إلى النّجمة (نجمة البحر) التي بواسطتها كانوا يعرفون الإتّجاه صوب الميناء.
في سنة 1247 أوفد راهبَين الى قداسة البابا انّوشنسيوس الرّابع يطلب منه تثبيت قانون الرّهبانيّة. فانتدب قداسة البابا عالِمَين شهيرَين من علماء الكنيسة ليدرسا هذا القانون. ولمّا تأكّد قداستُه من سيرة هؤلاء الكرمليّين وحِفظِهم لقوانينهم، ثبّت رهبانيّتهم وجعلها ضمن الرّهبانيّات الأربع الكبرى. فأثار هذا التّثبيت حرباً شعواء على الرّهبانيّة من بعض المتحفّظين. فخاف القدّيس سمعان على الرّهبانيّة، وأخذ يبتهل الى مريم العذراء، كي تأخذ بيد الرّهبانيّة وتنجّيها من أعدائها.
سنة 1248م. كان قداسة البابا في مدينة ليون – فرنسا فانتهز سمعان وجود البابا وطلب مقابلته ليشرح له كم كانت تتعرّض الرّهبانيّة للإضطهاد، ودافع عن حقوق الرهبانيّة بكلّ براعة، وكان لكلامه عند البابا الأثر الطيّب والوقع الحسن، فصادَقَ البابا نهائيًّا على قوانين الرّهبانيّة مع بعض التعديلات وسمح بتأسيس أديرة جديدة أينما رغبت الرّهبانيّة، كما رفع سلطة الأساقفة عنها. لكنّ هذه الإمتيازات لم تكن لتُخفِّفَ من الإضطهادات لا بل ازدادت عنفاً ممّا دفع سمعان الى مضاعفة صلواته وتضرّعاته وابتهالاتِه للعذراء مريم أمّ المراحم لتشفق على إخوتها الرّهبان وتمدّ يد العون اليهم.
وفي سنة 1251م. وبينما كان سمعان يصلّي أمام مذبحها تراءت له البتول مريم: مصحوبة معها أجواقاً من الملائكة، حاملةً بيدها الثوب المبارك ثم قالت لسمعان: "خذ هذا الثوب يا سمعان: إنّها العلامة. خذ، إنّه الإمتياز الذي طلبته مني: أعطيه لك ولجميع رهبان الكرمل. فكلّ من يموت حاملاً معه هذا الثّوب، فلن يذوق عذاب النّار بل يخلص".
بعدها كتب سمعان صلاته المريميّة المعروفة زهرة الكرمل (Flos Carmeli) وتأكّد أنّ مريم العذراء ستسهر على رهبانيّة الكرمل، ولن تسمح أن يُلحق بها اعداؤها أي أذى. وشعر باطمئنان شديد، وبقوّة عظيمة، إثر هذا الظّهور، حيث علم يقيناً بأنّ البتول قد أخذت على عاتقها مصير الرّهبنة. وقد تشّجع وتقوّى ورحلت عنه الشّكوك بخصوص مستقبل الرّهبنة، بعدما أبلغ رهبانه بما حصل: تشدّدوا جميعاً وتقوّوا.
وقال سمعان لإخوته الرّهبان: "لقد أكدّت العذارء مريم حمايتها وشفاعتها، فهي كليّة القدرة ولا تعجز على إعطاء أبنائها هذه العلامة (إنه الثوب) هديّة من البتول مريم إلى أبنائها".
بقي سمعان في وظيفته تلك مدة 15 سنة عُرف خلالها بغَيرتِه وتفانيه في الخدمة. وكان سبباً في نهضة الرّهبانيّة الكرمليّة وارتفاعها إلى القمّة: كما تثبتت الرّهبانيّة وأخذت مركزها بين الرّهبنات الكبرى في العالم. وانتشرت في أغلب البلدان. ونهضت من الخمول والنسيان والإنهيار، ولبست حلّة الثّوب الجديد: ثوب "سيّدة الكرمل" وامتدّت من الشّرق إلى الغرب واستقرّت بقوّة في كافة بلدان العالم.
في سنة 1265م. توفّي القدّيس سمعان ستوك عن عمرٍ ناهز المئة عام تقريباً، في مدينة بوردو وقد صنع الله العجائب والمعجزات بواسطته واعتبرته الكنيسة قدّيساً ورفعته على المذابح وأحصته بين قدّيسي الله المعترفين.
انتشرت هذه العبادة (ثوب سيّدة الكرمل) وتعمّم على كلّ من يرتدي هذا الثوب، أي جميع الرّهبنات التّابعة للكرمل، أن يتقيّدوا بواجبات وقوانين هذا الثّوب وهي:
1- يجب أن ينال العضو أو الشّخص الثّوب من كاهن مفوّض ويسجّل إسمه في سجلّ أخويّة الكرمل العالميّة الرّوحيّة.
2 – كلّ من ينال الثوب من طريق الكاهن أو المفوّض يجب عليه أن يحمل دائماً ثوب العذراء أو أيقونتها.
3 – كل من ينعم بهذا يتطلّب منه أن يصلّي يوميّاً مرّة أبانا وثلاث مرّات السّلام عليكِ.
4 – يجب على كلّ منتخب يحمل اسم هذه الرّهبنة أن يكرّم العذراء مريم، ويشارك في رتبة القدّاس في أعيادها الكبرى، والتي تعيد تذكاراً للعذارء مريم:
عيد البشارة 25 آذار في كلّ سنة.
عيد سـيّدة الكرمل 16 تموز.
عيد انتقال العذراء مريم إلى السّماء بالنّفس والجسد 15 آب.
عيد الحبل بلا دنس 8 كانون الأول.
5 – يجب على العضو في هذه الرّهبنة أن يقوم بواجباته المسيحيّة وينمّي إيمانه ومحبّته للمسيح. وأن يتأمّل في كلمة الله يوميّاً، سواء من طريق قراءة الكتاب المقدّس أو الكتب الرّوحيّة.
موقع البابا فرنسيس.