عظة الكاردينال الراعي في قداس عيد البشارة «متفرقات
عظة الكاردينال مار بشارة بطرش الراعي في قداس عيدبشارة العذراء
سيادة السّفير البابويّ،
إخواني السّادة المطارنة،
قدس الرّؤساء العامّين والآباء والراهبات،
1. إرسال الملاك جبرائيل من عند الله إلى مريم عذراء النّاصرة، ككلّ إرسال في تاريخ الخلاص، يحمل في طيّاته دعوة ورسالة. في هذا الإرسال مريم مدعوّة لتكون أمًّا لإبن العليّ يسوع الذي سيولد منها بقوّة الرّوح القدس، ولتحمل رسالة أمومة تجعلها شريكة في رسالة الفداء. كلّنا معًا وكلّ واحدٍ منّا يندرج في خطّ الدّعوة والإرسال. وتبقى مريم، بجواب "نعم" الثّابت في فرح البشارة وألم الصّليب، المثال لنا والقدوة والشّفيعة في الجواب الحُرّ والحاسم.
2. يسعدني أن أحتفل معكم ككلّ سنة باللّيتورجيّا الإلهيّة وبعيد سيّدة البشارة، إحياءً للذّكرى السّنويّة الثّامنة لتنصيبي بطريركًا على كرسي أنطاكية وسائر المشرق، وكان سينودس أساقفة كنيستنا المقدَّس الملتئم بالرّوح القدس قد انتخبني بثقة غالية من الآباء وبإلهامٍ من الرّوح القدس في الخامس عشر من آذار 2011. وهذه هبة مجّانيّة من التّدبير الإلهيّ، من دون استحقاق شخصيّ. يشترك معنا في هذا الاحتفال إخواننا السّادة المطارنة الذين اتّصلوا من النّطاق البطريركيّ ومن بلدان الانتشار بالمراسلة أو بالهاتف. إنّي أحيّيهم جميعًا ونذكرهم وأبرشيّاتهم في صلاتنا.
إنّنا نقدّم هذه الذّبيحة الإلهيّة ذبيحة شكر لله على الثّماني سنوات التي باركها بعنايته، وأفاض فيها الكثير من الخير والنّعم على كنيستنا بأشخاصها وهيكليّاتها ومؤسّساتها في الأبرشيّات والرّهبانيّات، في النّطاق البطريركيّ وفي بلدان الإنتشار. ونرفعها ذبيحة استغفار عن كلّ نقص وخطأ وإهمال، وذبيحة استلهام لأنوار الرّوح القدس في بداية السّنة التّاسعة لخدمتي البطريركيّة. فكما أولاني آباء السّينودس ثقتهم عند انتخابي، آمل أن تولوني أنتم أيضًا ثقتكم، لنتمكّن بالثّقة المتبادلة والمحبّة، من خدمة كنيستنا بشعبها وهيكليّاتها ومؤسّساتها. فنمجّد الله ونبني ملكوته ونحقّق تصميمه الخلاصيّ. ونحن في كلّ ذلك نلتمس شفاعة أمّنا وسيّدتنا مريم العذراء، سيّدة البشارة.
ويسعدنا أن تعضدنا في هذه الخدمة صلاة قداسة البابا فرنسيس وبركته الرّسوليّة، وقد وجّه إليّ بتاريخ 20 آذار الجاري رسالة تهنئة بعيد سيّدة البشارة، يذكّرنا فيها بلقائه أساقفة كنيستنا المارونيّة في مناسبة زيارتهم الأعتاب الرّسوليّة، ويمنح بركته الرّسوليّة لجميع أبناء كنيستنا، ملتمسًا من الله، بشفاعة القدّيس مارون، أن يبارك خدمتنا الرّاعويّة لكي تؤتي ثمارها اليانعة.
3. أرسل الله الملاك جبرائيل إلى مريم ليعلن البشرى للعالم بإرسالَين: إرسال الإبن الإلهيّ يسوع مخلّصًا، وإرسال الرّوح القدس ليحقّق عمل الإبن الخلاصيّ، بدءًا من حبَل مريم العجيب؛ وليعلن لمريم عذراء النّاصرة، المخطوبة ليوسف، أنّها الشّريكة في هاتين الرّسالتين، فكان منها الجواب "نعم، أنا خادمة الرّبّ. فليكن لي بحسب قولك" (لو 38:1).
إرسال الملاك ينطوي على ثلاثة أبعاد مترابطة: البُعد الثّالوثيّ: حيث الآب يرسل الملاك ليعلن تصميمه الخلاصيّ بإرسال الإبن لتحقيقه بقوّة الرّوح القدس؛ والبُعد الكريستولوجيّ: حيث الإبن يسوع المسيح مرسَل ليخلّص الجنس البشريّ بتجسّده بقوّة الرّوح القدس؛ والبُعد المريميّ: حيث مريم تدخل في عهدٍ خلاصيّ مع الله.
4. الكنيسة كسرّ تندرج في هذا الإرسال الإلهيّ. فهي تنبع من محبّة الآب وتصميمه الخلاصيّ الشّامل جميع الشّعوب، وتتأصّل في رسالة الإبن ورسالة الرّوح القدس. وهي بدورها مرسلة لتكون أداة الخلاص الشّامل وعلامته (الدّستور العقائديّ في الكنيسة، 1). كلّنا مدعوّون للمشاركة في رسالة الخلاص بحكم المعموديّة، والدّرجة المقدّسة، والنّذور الرّهبانيّة. ونشارك فيها ليس فقط كأفراد بل أيضًا كجماعات ومؤسّسات.
5. ويسعدني أن أعلن بتاريخ اليوم ككلّ سنة، وأوزّع عليكم رسالتي الرّاعويّة الثّامنة بموضوع: "الكنيسة المارونيّة رسوليّة ومرسَلة ورساليّة". لقد اخترت هذا الموضوع لسببين أساسيَّين: الأوّل الحاجّة الملحّة إلى تطبيق ما علّم وأوصى به المجمع البطريركيّ المارونيّ (2003-2006) بهذا الشّأن. قلت حاجة ملحّة بالنّسبة إلى بلدان الإنتشار حيث جماعاتنا المارونيّة، أكانت منظَّمة في أبرشيّات أم إكسرخسيّة أم في رعايا وزيارات رسوليّة، فهي بأمسّ الحاجة إلى كهنة ورهبان وراهبات لخدمتها، وإلاّ أضعنا شعبنا عددًا وهويّة وتراثًا وتقاليد. فمع حاجاتنا في لبنان، ينبغي أن نحمل أيضًا همّ أبنائنا وبناتنا في الإنتشار.
السّبب الثاني هو إحياء شهر تشرين الأوّل المقبل "شهرًا رساليًّا عالميًّا"، كما أعلنه قداسة البابا فرنسيس في رسالته الرّسوليّة بتاريخ 22 تشرين الأوّل 2017. فنأمل أن يكون الإحتفال يقظةً عامّة في كنيستنا، ويتكلّل بمبادرات عمليّة من الأبرشيّات والرّهبانيّات. وهذا ما أطلبه في رسالتي الرّاعويّة من إخواني السّادة المطارنة والرّؤساء العامّين والرّئيسات العامّات.
6. تتضمّن الرّسالة أربعة فصول، بعد مقدّمة تدرج كنيستنا المارونيّة في رسالة الكنيسة الجامعة.
في الفصل الأوّل، أستعيد "لاهوت الرّسالة" كما علّمه آباء المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني، وبخاصّة القرار "حول نشاط الكنيسة الإرساليّ"، والدّستور العقائديّ "في الكنيسة"، والدّستور الرّاعويّ "الكنيسة في عالم اليوم".
في الفصل الثاني، أتوسّع في "رسالة الكنيسة المارونيّة"، من حيث التزامها برسالة الكنيسة الجامعة، وميزة النُّسك الرّسوليّ فيها، ومن حيث رسالتها في البيئتين اللّبنانيّة والمشرقيّة مسكونيًّا وتفاعلاً مع المسلمين، ومن حيث رسالتها في بلدان الإنتشار.
في الفصل الثالث، أستعرض واقع رسالاتنا المارونيّة في العالم، بدءًا من النّطاق البطريركيّ، ثمّ في بلدان الإنتشار، حيث تظهر مساهمة الأبرشيّات والرّهبانيّات في إرسال كهنة ورهبان وراهبات للرّسالة فيها. يتبيّن من هذا الواقع كم أنّ بلدانًا برمّتها بحاجةٍ إلى مرسَلين من عندنا. فلا نخافنّ من إرسال كهنة ورهبان وراهبات بسبب حاجاتنا الكثيرة في لبنان، فعندما نعطي بسخاء، الله يبادلنا أيضًا بسخاء. وبمقدار ما نرسل مرسَلين ومرسَلات بمقدار ذلك تنمو أبرشيّاتنا ورهبانيّاتنا.
في الفصل الرّابع والأخير، أقدّم "توجيهات راعويّة"، فيها شكر للكهنة والرّهبان والرّاهبات العاملين في بلدان الإنتشار، وتساؤلات، ومقتضيات الرّسالة مسكونيًّا وعيشًا مشتركًا مع المسلمين.
وأنهي بخاتمة فيها نداءات إليكم، إخواني السّادة المطارنة، والرّؤساء العامّين، والكهنة والرّهبان والرّاهبات.
7. في عيد بشارة العذراء هذا، أضع معكم تحت عناية الله وأنوار الرّوح القدس وشفاعة أمّنا السّماويّة بداية هذه السّنة التّاسعة من خدمتي البطريركيّة. إنّي أتّكل على مؤازرتكم ومحبّتكم، وأعدكم بمساندتي لكم بالصّلاة والعمل، في سبيل الرّسالة الإلهيّة الموكولة إلينا معًا، لمجد الله الواحد والثّالوث، الآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
موقع بكركي