عظة البطريرك الرّاعي في عيد الغطاس «متفرقات
"لَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوع، إِنفَتَحَتِ السَّمَاء" (لو21:3)
1. تقدَّمَ يسوع من يوحنَّا ماشيًا مع الخطأة، وهو البريء من كلِّ خطيئةٍ، ليَقبلَ معموديَّة الماء، رمزًا لمغفرة الخطايا. تقدَّمَ مع الخطأة ليتضامن معهم في ضعفهم وتوقهم إلى الغفران، لا في خطاياهم. فكانت الشَّهادة الإلهيَّة لبراءته وألوهته أمام الشَّعب كلِّه. "فلمَّا اعتمدَ، وكان يُصلِّي، إنفتحتِ السَّماء، ونزَلَ عليه الرُّوح القدس في صورة طيرٍ، وجاء صوتٌ من السَّماء يقول: "أنتَ هو إبني الحبيب، بكَ رضيتُ" (لو3: 21-22).
2. إنَّه عيد الغطاس ويُسمَّى كذلك بالنِّسبة إلى نزول يسوع في ماء الأردنّ، وسكبِ الماء على رأسه بيد يوحنَّا المعمدان. وهو عيد الدِّنح أي الظُّهور بحسب معنى اللَّفظة الآراميَّة الأصل. إنَّه ظهور الثَّالوث القدُّوس: الآب بالصَّوت، والرُّوح القدس بحلوله في شبه طير حمامة، والابن يسوع المسيح المعلَن من الآب "ابنه الحبيب". بهذا العيد تنتهي الأعياد الميلاديَّة. فإنَّا نهنِّئكم به ونتمنَّى أن يكون فاتحة خيرٍ وبركةٍ دائمَين.
3. في هذا اليوم تُبارِك الكنيسة المياه أثناء الاحتفال باللِّيتورجيَّا الإلهيَّة. فيَجلِبُ المؤمنون منه ليتبرَّكوا منها ويُبارِكوا بيوتهم، نيلاً للنِّعم الإلهيَّة، وتذكارًا لولادتهم الثَّانية من الماء والرُّوح بالمعموديَّة. فكانت العادة في عيد الغطاس بتبريك البيوت بالماء المبارك في الرَّعايا. وهي عادةٌ تقويَّةٌ حميدةٌ تُمكِّن الكاهن من زيارة المنازل في رعيَّته للبركة. من وحي تبريك الماء في عيد الغطاس، يوجد على مداخل الكنيسة جرن ماء، يَرسُم به الدَّاخلون جباههم بإشارة الصَّليب تذكارًا لتنقيتهم بماء المعموديَّة.
من المعتقدات الشَّعبيَّة أنَّ المسيح يطوف على البيوت في منتصف اللَّيل ويُباركها ويقول: "دايم، دايم". وكثيرون من المؤمنين يُصَلُّون في اللَّيل ساجدين لمروره. وكانت عادة الإحتفال بالقدَّاس الإلهيّ عند منتصف اللَّيل في الكنائس الرَّعائيَّة.
فيما نحتفل معًا بهذه اللِّيتورجيَّا الإلهيَّة، يُسعِدُني أن أُرحِّبُ بكم جميعًا وأوجِّه تحيَّةً خاصَّةً لجمعيَّة دعم الشَّباب اللُّبنانيّ، ولجنة التَّجذُّر التَّابعة للرابطة المارونيَّة، وجمعيَّة أصدقاء المدرسة الرَّسميَّة في المتن وكسروان وجبيل، واعضاء مكتب راعوية الزواج والعائلة واعضاء مكتب راعوية المرأة في الدائرة البطريركية.
4. يُذكِّرنا عيد الغطاس بمعموديَّتِنا التي بها وُلدنا أبناءً وبناتٍ لله من الماء والرُّوح. هذا السِّرُّ كشَفَه الرَّبُّ يسوع لنيقوديموس، أحدِ رؤساء اليهود الذي قصَدَه ليلاً، إذ قال له: "الحقَّ الحقَّ أقولُ لكَ، لا أحد يقدِر أن يدخُل ملكوت الله ما لم يولد ثانيةً من الماء والرُّوح" (يو5:3). هذه الولادة الرُّوحيَّة بمعموديَّتنا هي عمل الله الواحد والثَّالوث: فمحبَّة الآب ظلَّلتنا ومنحَتْنا البنوَّة بالابن الوحيد، ونعمة الابن افتدَتْنا وكوَّنَتْنا أعضاءً في جسده السِّرِّيّ، وحلول الرُّوح القدس حقَّق فينا ثمار الفداء وجعلَنا خلقًا جديدًا.
5. هذا العمل الإلهيُّ أشركَنا في وظائف المسيح ورسالته، وهي ثلاثٌ: النبوءة والكهنوت والملوكيَّة. فنبويًّا، نتقبَّلُ الإنجيل ونُجسِّدُه في أقوالنا وأفعالنا ومواقفنا وتضحياتنا؛ وكهنوتيًّا، نُشارِك في ذبيحة المسيح، ونَضُمُّ إليها قرابين أعمالنا الصَّالحة وأتعابنا وآلامنا؛ وملوكيًّا، ننشرُ المحبَّة والعدالة، ونَعمَلُ على إنماء الإنسان والمجتمع، ونُكافِح الظُّلم والنِّزاعات وكلَّ أنواع الشَّرّ.
فيا ليت المسيحيِّين الذين يتعاطون الشَّأن العامّ، السِّياسيّ والاقتصاديّ والإداريّ، يَعرِفون شرف هويَّتهم هذه ورسالتهم المسيحانيَّة، لكانوا حقًّا خميرةً صالحةً في مجتمعهم والوطن.
في كلِّ حال، من واجبنا أن نخاطب دائمًا ضمائر المسؤولين السِّياسيِّين الذين ما زالوا يُعرقِلون ولادة الحكومة الجديدة. وإنَّا نذكِّرهم أمام محكمة التَّاريخ بأنَّهم هم الذين أوصَلُوا لبنان إلى الحضيض الاقتصاديّ والماليّ والمعيشيّ، بسبب سياسة المحاصصة في الوظائف والمال العامّ التي انتهجوها، والاقصاء والتَّفرُّد لأغراضٍ خاصَّة، وبسبب انتهاكهم المتكرِّر للدُّستور والميثاق الوطنيّ المتجدِّد في وثيقة الوفاق الوطنيّ، وبسبب صمّ آذانهم عن صرخة النَّقابيِّين في إضراباتهم، وعن مطلب انتفاضة الشَّعب، بكباره وصغاره، في جميع المناطق اللُّبنانيَّة ومن جميع الطَّوائف والأحزاب منذ حوالي ثمانين يومًا.
6. إنَّنا نصلّي إلى الله، سيّد التَّاريخ، كي يُخرج وطننا لبنان من وطأة أزماته وفي رأسها تشكيل حكومةٍ متحرِّرةٍ من نفوذ السِّياسيِّين والحزبيِّين المأسورين في مصالحهم وحساباتهم الرخيصة. وإنَّا، مع هذا الالتماس نرفع نشيد المجد والتَّسبيح للثَّالوث القدُّوس، الآب والابن والرُّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
موقع بكركي.