عظة البابا في استاد البيسبول في ناغاساكي «متفرقات
ترأس قداس البابا فرنسيس ظهر الأحد القداس الإلهي في إستاد البيسبول في ناغاساكي في اليابان وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها
أذكرني يا يسوع متى أتيت في ملكوتك. في الأحد الأخير من السنة الليتورجية، نوحِّد أصواتنا مع صوت اللّص الذي صُلب مع يسوع والذي اعترف به وأعلنه ملكا. هناك في اللحظة الأقل مجدًا وانتصارًا، وسط صرخات الاستهزاء والذّل، كان ذلك المجرم قادرًا على رفع صوته والتعبير عن ايمانه.
هذه هي الكلمات الأخيرة التي سمعها يسوع وهي الكلمات الأخيرة التي لفظها قبل أن يسلم نفسه للآب: "الحَقَّ أَقولُ لَكَ: سَتكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس". يبدو للحظة أنَّ الماضي الأليم للص اليمين يأخذ معنى جديدًا: مرافقة عذاب الرب عن قرب؛ وهذه اللحظة تثبّت حياة الرب أي تقديم الخلاص دائماً وفي كلِّ مكان. إنَّ الجلجلة، مكان الضياع والظلم حيث يترافق الضعف وعدم التَّفهم بالتذمر الغير مبالي للذين كانوا يستهزؤون أمام موت البريء، تتحول، بفضل سلوك لص اليمين الجيد اللص إلى كلمة رجاء من أجل البشريّة بأسرها. إنَّ الاستهزاء وصراخ الـ "خلّص نفسك" لن يكون لهما الكلمة الأخيرة أمام البريء المتألّم، لا بل سيحركان صوت أولئك الذين سمحوا بأن تُلمس قلوبهم واختاروا التعاطف كأسلوب حقيقي لبناء التاريخ.
واليوم نريد هنا أن نجدّد إيماننا والتزامانا. نعرف جيّدًا تاريخ فشلنا وخطايانا ومحدوديّتنا، كلص اليمين، ولكننا لا نريد أن يكون هذا الأمر هو الذي يُحدد حاضرنا ومستقبلنا. نعلم أنّه ليس من النادر أن نسقط في جو الكسل الذي يجعلنا نقول بسهولة ولامبالاة "خلّص نفسك" ونفقد ذكرى ما يعني تحمّل معاناة العديد من الأبرياء. إنَّ هذه الأراضي قد اختبرت، كغيرها، القدرة المدمرة التي يمكن للكائن البشري أن يصل إليها. لذلك، وعلى مثال لص اليمين، نريد عيش اللحظة التي يمكننا فيها أن نرفع أصواتنا والتعبير عن إيماننا من أجل الدفاع عن الرب وخدمته، هو البريء المعذب. نريد أن نرافق عذابه وندعم وحدته وأن نصغي، لمرة أخرى، أن الخلاص هي الكلمة التي يريد الآب تقدميها للجميع: "اليوم ستكون معي في الفردوس".
إنَّ الخلاص واليقين اللذين شهد لهما بشجاعة القديس باولو ميكي ورفاقه من خلال حياتهم، وكذلك آلاف الشهداء غيرهم، قد طبعا إرثكم الروحي. على خطاهم نريد السير وعلى خطاهم نريد الذهاب لكي نعلن بشجاعة أنَّ الحب أعطاه وبذله المسيح على الصليب هو قادر على التغلب على جميع أشكال الحقد والأنانية والإهانة والتهرب؛ وهو قادر أيضًا على التغلب على جميع أشكال التشاؤم والرفاهية المخدِّرة التي تشلُّ كل عمل وخيار صالح. وكما ذكَّرنا المجمع الفاتيكاني الثاني "إنه لَيبتعد عن الحقيقة أولئك الذين، لعلمهم أن ليس لنا هنا مدينة باقية بل نسير نحو المدينة المستقبلة، يظنون أنهم يستطيعون مع ذلك إهمال المهام البشرية، جاهلين أن الإيمان نفسَه يفرضها كواجب مُلِحّ عليهم، وفقاً لدعوة كل واحد" (دستور رعائي في الكنيسة في عالم اليوم، عدد ٤٣).
إيماننا هو في إله الاحياء. المسيح حي ويعمل بيننا ويقودنا جميعًا الى ملء الحياة. هو حي ويريدنا أحياء: المسيح هو رجاؤنا. نتضرع اليه كل يوم: ليأتِ ملكوتك، وبهذه الطريقة نريد أيضاً أن تصبح حياتنا وأعمالنا تسبيحًا. وبالتالي فإذا كانت رسالتنا كتلاميذ مرسلين هي بأن نكون شهودًا لما سيأتي، فهي لن تسمح لنا بأن نستسلم أمام الشر والشرور، ولكنها ستدفعنا لنكون خميرةً لملكوته أينما كنا: في العائلة والعمل والمجتمع؛ ولنكون فتحة صغيرة يمكن للروح القدس من خلالها أن يستمر في نفخ الرجاء بين الشعوب. إنَّ ملكوت السماوات هو هدفنا المشترك، هدف لا يمكنه أن يكون للغد وحسب، ولكننا نطلبه ونبدأ اليوم بعيشه، إلى جانب اللامبالاة التي تحيط بنا وتسكت العديد من المرات مرضانا ومعوَّقينا والمسنين والمتروكين واللاجئين والعاملين الأجانب: جميع هؤلاء هم سرٌّ حيٌّ للمسيح، ملكنا؛ لأنّنا إذا انطلقنا فعلاً من التأمل في المسيح فعلينا أن نعرف بشكل خاص أن نراه في وجه جميع اللذين أراد هو أن يتشبه بهم.
على الجلجلة ذاك اليوم سكتت أصوات كثيرة، وكثيرة أخرى كانت تستهزئ، وحده صوت اللص ارتفع ودافع عن البريء المتألم: إنّه اعلان ايمان شجاع. إن القرار يعود إلى كل واحد منا بأن يسكت أو يستهزأ أو يتنبأ. أيها الإخوة الأعزاء ناغاساكي تحمل في نفسها جرحًا يصعُب شفاؤه، علامة عذاب لا يمكن شرحها للعديد من الأبرياء، ضحايا حرب الأمس ولكنهم يتألّمون اليوم أيضًا من هذه الحرب العالمية الثالثة التي تتمُّ على أجزاء. لنرفع هنا أصواتنا في صلاة مشتركة من أجل جميع اللذين يعانون اليوم في جسدهم هذه الخطيئة التي تصرخ في السماء ولكي يكون أكبر عدد الذين، وكلصّ اليمين، لا يصمتون ولا يستهزؤون وإنما يتنبؤون بصوتهم بملكوت الحقيقة والعدالة والقداسة والنعمة والمحبة والسلام.
إذاعة الفاتيكان.