زيارة مريم لأليصابات «متفرقات
مريم المرأة المؤمنة، تعلم أنّ الله لن يتركها، هو لا يخذلها مُطلقاً. جلّ ما قامت به بعد بشارتها هو الإنطلاق. فعل الإنطلاق هذا هو مختصر حياة مريم، لقد بدأت مسيرة لن تنتهي طوال حياتها، مسيرة التتلمذ لإبنها.
لقد عرفت مريم أنّ الجواب الحقيقيّ الذي يمكنها أن تعطيه لله الذي تدخّل في تاريخها وحضّر لها "النصيب الأفضل" هو الإنطلاق نحو الآخر. إنّ النَعَم الحقيقيّة التي نقولها للرّب حين نقبله في حياتنا تجد ضمانتها وبرهانها في انطلاقنا نحو الآخر، في خدمة الآخر ومحبّته.
لقد اختصرت مريم في زيارتها لأليصابات كلّ مسيرة التتلمذ المسيحيّ، فأصبحت معلّمة لنا في التتلمذ وفي الإيمان: لقد سمعت كلمة الله وآمنت بها، قبلتها في قلبها وحملتها إلى الآخرين. في هذا العمل نجد دعوتنا المسيحيّة: يتدخّل الله في حياتنا، يدعونا، فنؤمن ونقبل الدعوة، نثق بالله، ونضع هذه الدعوة في خدمة الآخرين، نحمل إليهم كلمة الله ونبشّر بها، لا بالكلام فقط، بل خاصّة بالعمل، بالمحبّة وبالخدمة.
إنّ الإيمان هو دوماً فعل إنطلاق نحو الآخر، هو خروج من وحدتنا وانعزالنا. أن نؤمن يعني أن نكون دائماً في علاقة مع الآخر المختلف: مع الآخر- الله، نؤمن به ونقبله في حياتنا مع كلّ ما يستلزم هذا الأمر من تضحيات ومجهود يوميّ، ونقبل الآخر- الإنسان، نقبل قريبنا رغم إختلافه ولأنّه مختلف. أحبّه كما أحبّني الله رغم إختلافي، رغم خطيئتي، رغم كبريائي.
إنّ حدث الزيارة هو مثال لكلّ مؤمن، وهو صورة عن اختبارنا الشخصيّ مع الرّب. نسمع كلمة الرّبّ ونقبل مخطّطه في حياتنا، فننطلق إلى الخدمة: لا إيمان دون أعمال، فالأعمال هي تجسيد لإيماننا تماماً كما كان المسيح تجسُّد لإرادة الله المخلّصة.
لا إيمان دون عمل الرّوح، فالرّوح القدس هو الذي يجعلنا نميّز إرادة الله في حياتنا، هو الذي يملأ أقصى رغباتنا كما ملأ حشا أليصابات وجعلها تثمر بعد عقم طويل.
لا إيمان دون فرح، فالفرح يميّز وجودنا كمؤمنين بالمسيح. لا مكان للحزن في إيماننا، فـالمسيح جاء ليعطينا الفرح، وليكون فرحنا كاملاً كما يقول المسيح في إنجيل يوحنّا. هو ليس فرح مَن لا همّ له ولا مصاعب، بل هو فرح يخرج من الرَّجاء المسيحيّ نفسه، نتألّم، نُجرح، نُجرَّب، نجاهد، بقلب يملأه الفرح، لأنّنا نعلم أنّ الرّبّ لن يخذلنا، فهو دوماً حاضر في حياتنا.
لا إيمان دون شهادة، ليس بالأعمال فقط، بل بالإعلان، كما أعلنت أليصابات عمّا حصل معها بسبب حضور الرّب إلى بيتها وإلى حياتها. هذه الشّهادة هي حالة صلاة دائمة نحياها، نشهد من خلالها للآخرين عن معجزات الرّبّ التي أتممها في تاريخنا الشخصيّ وفي حياتنا.
يبقى الإنجيل (لو 1: 39 - 45) إنجيل الشّهادة للحياة، ولقيمة الحياة منذ لحظة تكوّنها إلى لحظة انتقالها الطبيعيّ إلى بيت الآب. نجد هنا الجنين والصبيّة والعجوز، كلّهم يتساوون في القيمة، كلّهم أحياء، موجودون، يحقـِّـقون دورهم: لقد شهد الجنين لوجود الرّبّ قبل أن يولد، وشهدت العجوز لأعاجيب الرّب في حياتها، والبتول قد حملت الرّبّ الجنين وانتقلت به إلى الآخرين.
هي قيمة الحياة تتجلّى كقيمة مطلقة لا يحقّ لأحد المساس بها، فهو كائن، مخلوق على صورة الله، ابن لله، ذو قيمة مطلقة ويحمل معه مخطّطات الرّب الخلاصيّة. هل كان من الممكن أن تجهض أليصابات يوحنّا؟ هل كان ممكناً أن تجهض مريم يسوع؟ هل يحقّ لنا أن نجهض إرادة الله في حياتنا؟
الأب بيار نجم ر.م.م.