رحمة الله الفياضة «متفرقات
لمناسبة عيد ارتداد القدّيس بولس الرَّسول وفي اختتام أسبوع الصَّلاة من أجل وحدة المسيحيِّين ترأّس البابا فرنسيس مساء أمس الإثنين، صلاة الغروب في بازيليك القدّيس بولس خارج أسوار روما القديمة.
وتخلّلت الإحتفال الدّينيّ عظة للبابا استهلّها بكلمات القدّيس بولس التي تحدّث من خلالها عن ارتداده إذ قال "إِنِّي لأَصْغَرُ الرُّسُل ... بِما أَنِّي اضطهَدْتُ كَنيسة الله. إِنَّما بِنِعْمةِ اللهِ قد صِرتُ ما أَنا عَلَيه؛ ونِعمتُهُ التي أُوتيتُها لم تكُنْ باطلة". وقد حصل هذا الإرتداد بعد لقاء القدّيس بولس مع يسوع القائم من الموت على الدّرب المؤديّة من أورشليم إلى دمشق. فقد بدّلته هذه الخبرة بالكامل ودعته إلى رسالة جديدة.
لقد فهم بولس في تلك اللّحظة أنّ المسيح الحيّ إلى الأبد تربطه علاقة وحدة حقيقـيّة مع أتباعه. وذكّر البابا بعدها بأنّ القدّيس بولس تحدّث أيضًا عن هذه الخبرة في رسالته الأولى إلى تيموثاوس "أَشكُرُ المَسيحَ يَسوعَ ربَّنا الذي قَوَّاني، إِذْ إِنَّهُ عَدَّني أَمينًا فَنَصَبَني لخدمتِهِ، أَنا الذي كانَ مِن قَبلُ مُجدِّفًا ومُضطهِدًا وشاتِمًا. غَيرَ أَنّي رُحِمْتُ إِذْ فَعَلتُ ذلكَ عَن جَهلٍ، وحينَ لم أَكُنْ بَعدُ مُؤْمِنًا؛ فَتَزايَدَتْ فيَّ نِعمَةُ ربِّنا بوَفْرةٍ، مَعَ الإِيمانِ والمحبَّةِ التي في المسيحِ يَسوع". وشدّد البابا على أنَّ رحمة الله الفيّاضة هي السَّبب الوحيد الذي ترتكز إليه خدمة القدّيس بولس.
بعدها انتقل البابا إلى الحديث عن الجماعات المسيحيّة الأولى التي شعرت بالعزاء والدّهشة في الآن معًا عندما علمت أنّها تشكل جزءًا من مُخطـَّط الله الخلاصيّ الذي تمّ بيسوع المسيح والكنيسة. وأكّد فرنسيس أنّ الله الآب يحبُّ الجميع ويريد أن يخلّص الكلّ، مشيرًا أيضًا إلى أنّ رسالة شعب الله تكمن في إعلان الأعمال الرَّائعة والمُدهشة التي قام بها الرّبّ بدءًا من السِّرّ الفصحيّ للمسيح، والذي جعلنا ننتقل من عتمة الخطيئة والموت إلى نور حياته الجديدة والأبديّة.
إنَّ هذا واجب يكتسب أهميّة كُبرى في أسبوع الصَّلاة من أجل وحدة المسيحيِّين، كما أشار البابا فرنسيس، مُضيفـًا أنّه بغضِّ النظر عن الإختلافات التي ما تزال تفصل بين المسيحيِّين، لا بُدَّ من الإقرار بوجود دعوة الله التي هي مصدر الحياة المسيحيّة. واعتبر البابا أنّ الإرتداد إلى الرّبّ يسمح للمسيحيِّين بالسَّير قدمًا في الدّرب المؤديّة نحو الوحدة التامة فيما بينهم. وهذا الإرتداد يعني أن نترك الرّبّ يسكن ويعمل بداخلنا فضلاً عن إعلاننا عن المحبّة الرَّحومة التي دخلت قلوبنا وبدّلتنا. وأكّد أنّه إذ نسير قدمًا في الدّرب المؤدِّية إلى الوحدة يمكن أن ننمّي فيما بيننا أشكالاً متعدِّدة للتعاون، من أجل نشر بشارة الإنجيل، لافتًا إلى أن هذه الوحدة تُصنع في الطريق.
ولمناسبة عيش يوبيل الرَّحمة، دعا البابا فرنسيس المؤمنين المسيحيِّين إلى أن يُدركوا أنَّ البحث الصَّادق والأصيل عن الوحدة بين المسيحيِّين يتطلّب الإتّكال التّام على رحمة الآب. وقال البابا إنّه، وبصفته أسقف روما وراعي الكنيسة الكاثوليكيّة، يودّ أن يطلب الرَّحمة والمغفرة بسبب التّصرُّفات السَّيئة التي قام بها الكاثوليك تُجاه المسيحيِّين، أتباع الكنائس الأخرى، وحثّ في الوقت نفسه جميع المؤمنين الكاثوليك على مُسامحة المسيحيِّين الآخرين الذين أساؤوا إليهم، اليوم أو في الماضي. وقال البابا في هذا السِّياق "لا يسعنا أن نمحو ما حصل، لكن يجب ألّا نسمح لذنوب الماضي بأن تلوّث علاقاتنا. إنّ رحمة الله ستجدّد علاقاتنا".
بعدها وجّه البابا فرنسيس تحياته إلى قادة وأتباع الكنائس الأرثوذكسيّة والبروتستنتيّة في روما وسألهم أن ينضمّوا إليه في الصَّلاة على نيّة وحدة المسيحيِّين، لافتًا إلى أنَّ الوحدة هي هبة رحمة الله الآب، وتطرّق بعدها إلى الشّهداء المسيحيِّين الكثر، شهداء الأمس واليوم، الذين استجابوا بسخاء لدعوة الله لهم وقدموا شهادة أمينة، من خلال حياتهم، على الأعمال الرَّائعة التي صنعها الله من أجلنا.
إذاعة الفاتيكان.