خطاب البابا فرنسيس إلى السلطات والسلك الدبلوماسي في باناما «متفرقات
بعد زيارة المجاملة إلى رئيس باناما غادر البابا فرنسيس القصرَ الجمهوري متوجهاً إلى "قصر بوليفار" الذي يشكل منذ العام 2003 مقراً لوزارة الخارجية البانامية، وكان للبابا لقاءٌ مع ممثلين عن السلطات وأعضاء السلك الدبلوماسي والمجتمع المدني.
ألقى فرنسيس خطابا للمناسبة توجّه في مستهلّه بالشكر إلى رئيس البلاد على كلماته الترحيبية وشكر من خلاله الشعب البانامي بأسره، ثم قال إن زيارة حجّه هذه تبدأ في المكان التاريخي حيث عمل سيمون بوليفار على توحيد الأمّة وهذا الأمر يذكّرنا بأن شعوبَنا قادرةٌ على الإبداع وصناعة أمّة عظيمة تفتح ذراعيَها للجميع وتحترم الكلّ وترحّب بالغنى المتعدّد الثقافات. بعدها أكد البابا أن باناما تحتلّ موقعاً جغرافياً مميزاً واستراتيجياً ليس فقط بالنسبة للمنطقة بل للعالم كلّه. إنها عبارة عن جسرٍ بين المحيطَين وأرضٍ طبيعية للتلاقي، وهي البلدُ الأكثر ضيقاً في القارّة الأمريكية بأسرها، وهذه المزايا تركت بصمتَها في قلب الشعب البانامي.
وتوجّه البابا إلى الحاضرين قائلاً إن كلّ واحد منهم يحتل مكانةً مميزة في عملية بناء الأمة وهو مدعوٌ في الوقت نفسه إلى مساعدةِ هذه الأرض على القيام بدعوتها أي أن تكون أرضاً للتلاقي، أرضاً تستقطب الأشخاص. وهذا الأمر، مضى البابا يقول، يتطلب اتخاذ القراراتِ والعملَ اليوميّ كي يشعر كل المواطنين بأنهم صانعو مصيرِهم، ومصيرِ عائلاتهم ومصيرِ الأمة برمتها. ورأى أنه من المستحيل أن نفكّر بمستقبلِ المجتمع بدون مشاركة فاعلة لكلّ فرد فيه، كي يتمَ الإقرار بكرامة الأشخاص وينعمَ الجميع بفرص التعليم والحصول على عملً لائق.
هذا ثم أكد البابا أن "عبقرية" تلك الأرض تكمن في الغنى الذي يتمتع به السكان الأصليون، الذين لديهم أمور كثيرة يقولونها ويعبّرون عنها بشأن ثقافتهم ونظرتهم للعالم. وقال البابا إنه يودّ أن يحيي هذه الشعوب الأصلية معبرًا عن امتنانه لها. ولفت إلى أن المجتمع مدعو للإصغاء إلى تلك الشعوب وجميع الرجال والنساء الذين يشكّلون الأمة البانامية، وإلى نسج مستقبلٍ منفتح على الرجاء كي يكون البلدُ قادراً على الدفاع عن الخير العام بشكل يتخطى مصالح فئة معينة.
وأكد البابا أن الأجيال الجديدة تطلب من البالغين، لاسيما من يشغلون مناصب قيادية في الحياة العامة، أن يتمتعوا بسلوكٍ يُظهر أن الالتزامَ في الحياة العامة هو مرادفٌ للنزاهة والعدالة، ونقيضٌ لكلّ شكل من أشكال الفساد. إن الأجيال الفتية تطالب بتشييد سياسة إنسانية أصيلة تضع الإنسان في محورِ كلّ شيء، وهذا الأمر يقتضي خلقَ ثقافة تقدّم المزيد من الشفافية بين الحكومات والقطاع الخاص والسكان.
تابع البابا خطابه قائلاً إن باناما ستتحول في هذه الأيام إلى محور للرجاء، إلى نقطة تجمُّعٍ وتلاقٍ حيث يشارك شبان قادمون من القارات الخمس، ومفعمون بالآمال والأحلام، في الاحتفالات والصلوات ويعيدون إحياء الرغبة والالتزام في بناء عالمٍ أكثر إنسانية. وبهذه الطريقة يتحدى هؤلاء الشبان والشابات قُصر النظر لأشخاص يغريهم الجشع والاستسلام ويؤمنون بأن الدرب الوحيدة تمرّ عبر "لعبة المنافسة" والمضاربات الوهمية وشريعةِ الأقوى التي يفترس فيها القويُ الضعيف، وبهذه الطريقة يغلقون البابَ أمام آفاقٍ جديدة للإنسانية.
ورأى البابا أنه من خلال استضافة أحلام الشباب تتحوّل باناما إلى أرض للأحلام تتحدّى الكثير من المسلَّمات في عالم اليوم وتخلق آفاقاً جديدة تعزّز الاحترام والرأفة تجاه الآخرين. وخلال الأيام القادمة، مضى فرنسيس إلى القول، ستشهد البلاد فتح قنواتٍ جديدة من التواصل والتفاهم والتضامن والإبداع والمساعدة المتبادلة. وأكد البابا أنه باستطاعتنا أن نبني عالماً جديداً، والشبان يدعوننا للمشاركة في هذه العملية لتعطي الأحلامُ دفعاً لميثاقٍ اجتماعي يتيح للجميع فرصة الحلم بالغد لأن الحقّ في المستقبل هو أيضا حقٌّ من حقوق الإنسان.
في ختام خطابه إلى السلطات وأعضاء السلك الدبلوماسي والمجتمع المدني جدّد البابا شكره للسلطات على الجهود التي بذلتها من أجل إتمام هذا اللقاء وعبّر عن أطيب تمنياته لرئيس البلاد وجميع الحاضرين ومن يتابعون الحدث عبر وسائل الإعلام، وأمل أن يتجدّد لدى الجميع الرجاء والفرح ضمن خدمة الخير العام. يشار إلى أن رئيس باناما خوان كارلوس فاريلا ألقى كلمة في بداية اللقاء أكد فيها أن الزيارة البابوية تشكل فرصة للمؤمنين وغير المؤمنين، للمسيحيين واليهود والمسلمين والأشخاص ذوي الإرادة الصالحة ليوحدوا الجهود ويعطوا الكائن البشري الأولوية، ويهتمّوا بالأخوة المنسيين والمهمشين، ويسهروا على الخير العام.
إذاعة الفاتيكان.