خطاب البابا إلى السلطات المدنية في العراق «متفرقات
وصل البابا فرنسيس نهار الجمعة إلى العراق في زيارة رسولية، الأولى لحبر أعظم إلى بلاد الرافدين، تستغرق لغاية يوم الاثنين المقبل. وكان في استقبال البابا لدى وصوله إلى مطار بغداد رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي. بعدها توجه الموكب البابوي إلى القصر الجمهوري حيث جرت مراسم الاستقبال الرسمية بحضور السلطات المحلية، في مقدمتها رئيس البلاد برهام صالح الذي وجه للبابا كلمة ترحيبية.
ألقى البابا خطاباً قال فيه: السَيِّدُ فَخَامَةَ الرَئِيس، أعضاءَ الحُكُومَةِ والسِلْكِ الدُبلُوماسي، السُّلُطاتُ المُوَقَرَة، مُمَثِلي المُجْتَمَعِ المَدَنِي، سَيِداتي وَسَادَتِي! إنِّي مُمْتَنٌّ لإتاحَةِ الفُرْصَةِ لي لأنْ أَقُومَ بِهذهِ الزِيارَةِ الرَسُولِيَّة، التي طالَ انتِظارُها والشَوْقُ إليها إلى جُمْهُورِيَّةِ العِراق. أنا مُمْتَنٌّ لأنِّي اسْتَطَعْتُ أنْ آتِيَ إلى هذهِ الأرْض، مَهْدِ الحَضَارَة، والمُرْتَبِطَةِ ارتِباطًا وَثيقًا، مِن خِلالِ أبِينا ابراهيم والعَدِيدِ مِن الأنْبِياء، بِتاريخِ الخَلاصِ والتَقَاليدِ الدِينِيَّةِ الكُبرى، اليَهودِيَّةِ والمَسِيحِيَّةِ والإسْلام. أَشْكُرُ السَيِّدَ الرَئِيس الدُكتور بَرْهَم صَالِح على دَعْوَتِه لي، وَعَلَى كَلِماتِ التَرحِيبِ الطَيِبَة التي وجَّهَها إليّ، باسْمِهِ وباسمِ السُلُطات، وَشَعْبِهِ الحَبِيب. أُحَيِّي أيضًا أَعضاءَ السِلْكِ الدُبلُوماسي، ومُمَثِّلِي المُجْتَمَعِ المَدَنِي.
أُوَجِّهُ تَحِيَّةً حارَّة إلى الأساقِفَةِ والكَهَنَةِ والرُهبانِ والراهِبات، وَجَميعِ المُؤْمنين في الكَنيسَةِ الكاثُوليكيّة. جِئْتُ حاجًّا لأُشَجِّعَهُم في شَهادَتِهِم للإيِمانِ والرَجاءِ والمَحَبَّة، في وَسَطِ المُجْتَمَعِ العِراقي. أُحَيِّي أَعضاءَ الكَنائِسِ الأُخْرَى والجَماعاتِ الكَنَسِيَّةِ المَسِيحِيَّة، والمُؤْمِنينَ المُسلِمِين وَمُمَثِلِي سائِرِ التَقاليدِ الدينيَّة. لِيَمْنَحْنا اللهُ أنْ نَسيرَ مَعًا، إخْوَةً وأَخَوات، في "القَناعَةِ الراسِخَةِ بأنَّ التَعاليمَ الصَّحيحَة لِلأدْيانِ تَدعُو إلى التَمَسُّكِ بِقِيَمِ السَّلام [...] والتَعارُّفِ المُتَبادَل والأُخُوَّةِ الإنسانيَّة والعَيْشِ المُشْتَرَك.
تَأْتي زِيارَتي في زَمَنٍ يُحَاوِلُ فيهِ العالَمُ بأسْرِهِ أنْ يَخْرُجَ مِن أَزْمَةِ جائِحَةِ فيروس الكورونا، والتي لمْ تُؤَثِّرْ فَقَط في صِحَةِ العَديدِ مِنَ الناس، بَلْ تَسَبَّبَتْ أيضًا في تَدَهْوُرِ الظُروفِ الاجْتِماعِيَّةِ والاقْتِصادِيَّةِ التي كانَتْ تُعاني أصْلًا مِنَ الهَشاشَةِ وَعَدَمِ الاسْتِقرار. تَتَطَلَّبُ هذهِ الأزْمَةُ جُهُودًا مُشْتَرَكَةً مِن كُلِّ واحِد، لاتِخاذِ العَديدِ مِنَ الخَطَواتِ الضَّرُورِيَّة، بِما في ذَلِكَ تَوْزيعٌ عادِلٌ لِلُّقاحٍ يَشْمَلُ الجَميع. وهذا لا يَكْفي: هذهِ الأزْمَة، هيَ قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ دَعْوَةٌ إلى "إعادَةِ التَفْكيرِ في أَنْماطِ حَياتِنا [...]، وَفي مَعْنَى وُجودِنا". وهذا يَعْنِي أنْ نَخْرُجَ مِن زَمَنِ المِحْنَةِ هذا أَفْضَلَ مِمَّا كُنَّا عَلَيْهِ مِن قَبْلُ، وَأنْ نَبْنِيَ المُسْتَقْبَلَ علَى ما يُوَحِّدُنا وَلَيْسَ علَى ما يُفرِّقُ بَيْنَنا.
على مَدَى العُقُودِ الماضِيَّة، عانَى العِراقُ مِن كَوارِثِ الحُروبِ وآفَةِ الإرْهابِ وَمِن صِراعاتٍ طائِفِيَّةٍ تَقُومُ غالِباً على أُصُولِيَّةٍ لا تَسْتَطِيعُ أنْ تَقْبَلَ العَيْشَ مَعًا في سَلام، بَيْنَ مُخْتَلَفِ الجَماعاتِ العِرْقِيَّةِ والدينيَّة، بِمُخْتَلَفِ الأَفكارِ والثَقافات. كلُّ هذا جَلَبَ المَوْتَ والدَمار، وَأَنْقاضًا ما زالَتْ ظاهِرة لِلْعَيان، وَلَيْسَ فَقَط على المُسْتَوَى المادِي: فالأَضْرارُ أَعْمَقُ بِكَثيرٍ في القُلُوبِ، إذا فَكَّرْنا في الجُرُوحِ التي مَسَّتْ قُلُوبَ الكَثيرِ مِن الناسِ والجَماعات، والتي سَتَسْتَغْرِقُ سَنَواتٍ لِلْشِفاء. وَهُنا، مِن بَيْنِ الكَثيرينَ الذينَ عانَوْا وتأَلَّمُوا، لا يَسَعُني إِلّا أنْ أَذْكُرَ اليَزِيدِيّين، الضَّحايا الأَبْرياء لِلْهَمَجِيَّةِ المُتَهَوِّرَة وعَديمَةِ الإنسانيَّة.
فَقَدْ تَعَرَّضُوا للاضْطِهادِ والقَتْلِ بِسَبَبِ انْتِمائِهِم الديني، وَتَعَرَّضَتْ هُوِّيَتُهُم وَبَقاؤُهُم نَفْسُهُ لِلْخَطَر. لذَلِك، إذا اسْتَطَعْنا نَحْنُ الآنَ أنْ نَنْظُرَ بَعْضُنا إلى بَعْض، مَعَ اختِلافاتِنا، وَكَأَعْضاءٍ في العائِلَةِ البَشَرِيَّةِ الواحِدَة، يُمْكِنُنَا أنْ نَبْدأَ عَمَلِيَّةَ إعادَةِ بِناءٍ فَعَّالَة، وَيُمْكِنُنَا تَسليمُ عالَمٍ أفضَلَ لِلأَجْيالِ القَادِمَة، أَكْثَرَ عَدْلاً وأَكْثَرَ إنسانِيَّة. في هذا الصَّدَد، فإنَّ الاخْتِلافَ الدينيَّ والثَقافيَّ والعِرقيّ، الذي مَيَّزَ المُجْتَمَعَ العِراقي، مُدَةَ آلافِ السِنين، هُوَ عَوْنٌ ثَمينٌ للاستِفادَةِ مِنْهُ، وَلَيْسَ عائِقًا لِلْتَخَلُّصِ مِنْهُ. والعِراقُ اليَوْمَ مَدْعُوٌّ إلى أنْ يُبَيِّنَ لِلْجَميع، وَخاصَةً في الشَّرْقِ الأَوْسَط، أنَّ الاخْتِلافات، بَدَلًا مِن أنْ تُثيرَ الصِّراعات، يَجِبُ أنْ تَتَعاوَنَ في وِئامٍ في الحَياةِ المَدَنِيَّة.
يَحْتاجُ العَيْشُ الأَخَويُّ مَعًا إلى حِوارٍ صَابِرٍ وَصَادِق، يَحْميهِ العَدْلُ واحتِرامُ القانون. إنَّها ليْسَت مُهِمَّةً سَهْلَة: إنَّها تَتَطَلَّبُ جُهْدًا والتِزامًا مِنَ الجَميع، لِلْتَغَلُبِ علَى رُوحِ العَداءِ والمُجابَهات، وَتَتَطَلَّبُ أنْ نُكَلِّمَ بَعْضُنا بَعْضًا انطِلاقًا مِن أَعْمَقِ هُوِّيَّةٍ تَجْمَعُنا، وَهي هُوِّيَّةُ أبناءِ اللهِ الواحِدِ والخالِق. علَى أَساسِ هذا المَبْدأ، فإنَّ الكُرْسِي الرَّسُولي، في العِراقِ وفي كُلِّ مَكان، لا يَتْعَبُ أبَدًا مِن مُناشَدَةِ السُّلُطاتِ المُخْتَصَة لِمَنْحِ الاعْتِرافِ والاحْتِرامِ والحُقُوقِ والحِمايَةِ لِكُلِّ الجَماعاتِ الدينيّة. إنَّني أُقَدِّرُ الجُهُودَ التي بُذِلَتْ بالفِعْلِ في هذا الاتِجاه، وأَضُمُّ صَوْتي إلى صَوْتِ الرِجالِ والنِساءِ ذَوي النَوايا الحَسَنَة، حتَى يَسْتَمِرُّوا في مَسْعَاهُم لِخَيْرِ البَلَدِ وَمَنْفَعَتِه.
إنَّ المُجْتَمَعَ الذي يَحْمِلُ سِمَةَ الوَحْدَةِ الأَخَوِيَّة، هُوَ مُجْتَمَعٌ يَعيشُ أَفْرادُهُ مُتَضامِنِينَ فيما بَيْنَهُم. "يُساعِدُنا التَضامُنُ علَى رُؤْيَةِ الآخَر [...] بِمَثابَةِ قَريبٍ لنا، وَرَفيقٍ لِلْدَرْب". التَضامُنُ فَضيلَةٌ تَحْمِلُنا علَى القِيامِ بأَعْمالٍ مَلْمُوسَةٍ لِلْرِعايَةِ والخِدْمَة، مَعَ إيلاءِ اعْتِبارٍ خاصّ لأَكْثَرِ الناسِ ضُعْفاً وَحاجَة. أُفَكِرُ في الذينَ فَقَدُوا، نَتيجَةَ العُنْفِ والاضْطِهادِ والإرْهاب، عائِلاتِهِم وَأَحِباءَهُم وَبُيُوتَهُم وَمُمْتَلَكاتِهِم الأَساسِيَّة. وأُفَكِرُ في جَميعِ الذينَ يُكافِحونَ كُلَّ يَوْمٍ بَحْثًا عَنِ الأَمْنِ وَعَنِ الوَسائِلِ التي تُمَكِّنُهُم مِن المُضِيِّ قُدُمًا، بَيْنَما تَزْدادُ البَطالَةُ والفَقْر. إنَّ "مَعْرِفَتَنا بِمَسْؤُولِيَتِنا تُجاهَ ضَعْفِ الآخَرينَ". يَنْبَغي أنْ تُلْهِمَ كُلَّ جُهْدٍ لِخَلْقِ إمكاناتٍ عَمَلِيَّة على الصَّعيدَين الاقتِصادي والتَرْبَوي، وَكَذَلِكَ لِلْعِنايَةِ بالخَلِيقَة، بَيْتِنا المُشْتَرَك. بَعَدَ الأَزْمَة، لا يَكْفِي إِعادَةُ البِناء، بَلْ يَجِبُ أنْ يَتِمَّ بِشَكْلٍ جَيِد: حَتَى يَتَسَنَى لِلْجَميعِ التَمَتُّعُ بِحياةٍ كَريمَة. لا نَخْرُجُ مِنَ الأَزْمَةِ كَما كُنَّا مِن قَبْل: إمَّا نَخْرُجُ في حالَةٍ أَفْضَل أوْ أَسْوأ.
بِصِفَتِكُم مَسْؤُولينَ سِياسيِّينَ وَدُبْلُوماسيِّين، أنْتُم مَدْعُوُّونَ إلى تَعْزيزِ رُوحِ التَضامُنِ الأَخَويِّ هذا. مِنَ الضَّرُوري التَصَدِّي لآفةِ الفَساد، وَسُوءِ اسْتِعْمالِ السُّلْطَة، وَكُلِّ ما هُوَ غَيْرُ شَرْعي. وَلَكِنْ هذا لا يَكْفي. يَنْبَغي في الوَقْتِ نَفْسِهِ تَحْقِيقُ العَدالَة، وَتَنْمِيَةُ النَزاهَةِ والشَفافِيَّة، وَتَقْوِيَةُ المُؤَسَّساتِ المَسْؤُولَةِ عَن ذَلِك. بِهَذِهِ الطَريقَة، يُمْكِنُ أنْ يَزْدادَ الاسْتِقْرار، وأنْ تَتَطَوَّرَ سِياسَةٌ سَليمَةٌ قادِرَةٌ علَى أنْ تُقَدِّمَ لِلْجَميع، وَبِخاصّةٍ لِلْشَباب – وَهُم كُثْرٌ في هذا البَلَد -، الأمَلَ في مُسْتَقْبَلٍ أفضَل.
السيِّدُ الرَئيس، والسُّلُطاتُ المُوَقّرَة، والأَصْدِقاءُ الأَعِزاء! لَقَدْ أَتَيْتُ بِصَفَةِ تائِبٍ يَطْلُبُ المَغْفِرَةَ مِنَ السَماءِ وَمِنَ الإخْوَة، لِلْدَمارِ الكثيرِ وَقَسْوَةِ البَشَر. أَتَيْتُ حاجًّا يَحْمِلُ السَّلام، باسْمِ السَيِّدِ المَسيحِ أميرِ السَّلام. كَمْ صَلَّيْنا في هذهِ السِنين مِن أجلِ السَّلامِ في العِراق! لَمْ يُوَفِّرْ البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني المُبادَرات، ولا سِيَّما الصَّلَوات والآلام مِن أجلِ السَّلام. واللهُ يُصْغِي، إنَّهُ يُصْغِي دائِمًا! عَلَيْنا نَحنُ أنْ نُصْغِيَ إليْه، وأنْ نَسيرَ في طُرُقِه.
لِتَصْمُتْ الأَسْلِحَة! وَلْنَضَعْ حدًا لانْتِشارِها هُنا وَفي كُلِّ مكان! وَلْتَتَوَقَّفْ المَصالِحُ الخاصَّة، المَصَالِحُ الخارِجيَّة التي لا تَهْتَمُ بالسُكانِ المَحَلّيين. ولْنَسْتَمِعْ لِمَنْ يَبْني ويَصْنَعُ السَّلام! لِلْصِغارِ والفُقَراء، وَلِلْبُسَطاءِ الذينَ يُريدونَ أنْ يَعيشوا وَيَعْمَلُوا وَيُصَلُّوا في سلام. كَفَى عُنْفٌ وَتَطَرُّفٌ وَتَحَزُّبَاتٌ وَعَدَمُ تَسَامُح! لنُعْطِ المَجالَ لكُلِّ المُواطِنينَ الذينَ يُريدونَ أنْ يَبْنُوا مَعًا هذا البَلَد، في الحِوار، وفي مُواجَهَةٍ صَريحَةٍ وَصَادِقَةٍ وَبَنَّاءَة. لِنُعْطِ المَجالَ لِمَنْ يَلْتَزِمُ السَّعْيَ مِن أجلِ المُصَالَحَة، والخَيْرِ العام، وَهُوَ مُسْتَعِدٌّ أنْ يَضَعَ مَصَالِحَهُ جانِبًا. حاوَلَ العِراق، في هَذِهِ السَنوات، إرْساءَ الأسُسِ لِمُجْتَمَعٍ ديمُقْراطي. مِن أجلِ هذا، مِنَ الضَّرُوري أنْ نَضْمَنَ مُشارَكَةَ جَميعِ الفِئاتِ السِياسيَّةِ والاجتِماعيَّةِ والدينيَّة، وأنْ نُؤَمِّنَ الحُقوقَ الأساسِيَّةَ لِجَميعِ المُواطنين. يَجِبُ ألّا يُعْتَبَرَ أحَدٌ مُواطِنًا مِنَ الدَرَجَةِ الثانِيَّة. أُشَجِّعُ الخُطُواتِ التي تَمَّ اتِخاذُها حتَى الآن في هذا الاتِجاه، وَأَرْجُو أنْ تَتَعَزَّزَ الطُمأْنينَةُ والوِئام.
علَى المُجْتَمَعِ الدَوْلي أيْضًا أنْ يَقومَ بِدَوْرٍ حاسِمٍ في تَعزيزِ السَّلامِ في هذهِ الأرضِ وَفي كُلِّ الشَّرْقِ الأوْسَط. رأَيْنا ذَلِكَ في الصِّراعِ الطَويلِ في سوريا المُجاوِرَة - وَقَدْ مَرَّتْ الآنَ عَشْرُ سَنَواتٍ علَى بِدايَتِه! - إنَّ التَحَدِيّاتِ المُتَزايِدة تَدْعُو الأُسْرَةَ البَشَرِيَّةَ بأَكْمَلِها دَعْوَةً مُلِحَّة. إنَّها تَقْتَضِي تَعاوُنًا علَى نِطاقٍ عالَمِيّ حتَى تُواجِهَ أيْضًا عَدَمَ المُساواةِ في مَجالِ الاقتِصاد، والتَوَتُراتِ الإقليميَّة التي تُهَدِّدُ اسْتِقرارَ هَذِهِ البُلْدان.
أَشْكُرُ الدُوَلَ والمُنَظَماتِ الدَوْلِيَّة التي تَعْمَلُ الآنَ في العِراق لإعادَةِ الإعْمار وَتَقْديمِ المُساعَدَةِ لِلاجِئينَ والنازحين، وَلِلَذينَ يَصْعُبُ عَلَيْهِم العَوْدَةُ إلى بيوتِهِم، وَلأَنَّها تُوَفِّرُ الغِذاءَ والماءَ والمأوَى والخَدَماتِ الصِحِيَّة في البَلَد، وَكَذَلِكَ البَرامِجَ الهادِفَة إلى المُصَالَحَةِ وَبِناءِ السَّلام. وَهُنا لا يَسَعُني إلّا أنْ أَذْكُرَ الوِكالاتِ العَديدَة، وَمِن بَيْنِها العَديدَ مِنَ الوِكالاتِ الكاثُوليكِيَّة، التي ظَلَّتْ مُنْذُ سَنَواتٍ تُساعِدُ السُكانَ المَدَنيّين بالتِزامٍ كَبير. إنَّ تَلْبِيَةَ الاحتِياجاتِ الأَساسيَّة لِلْعَديدِ مِنَ الإخْوَةِ والأَخَواتِ هُوَ عَمَلُ مَحَبَّةٍ وَعَدْلٍ، ويُسْهِمُ في سَلامٍ دائِم. أَتَمَنَّى أَلّا تَسْحَبَ الدُوَلُ يَدَ الصَّداقَةِ والالْتِزامِ البَنَّاءِ المَمْدُودَةَ إلى الشَعْبِ العِراقي، بَلْ تُواصِلُ العَمَلَ بِرُوحِ المَسْؤُوليَّةِ المُشْتَرَكَة مَعَ السُّلُطاتِ المَحَلِيَّة، دُونَ أنْ تَفْرِضَ مَصَالِحَ سِياسيَّة أو أَيدْيُولُوجيَّة.
الدينُ بِطَبيعَتِهِ، يَجِبُ أنْ يكونَ في خِدْمَةِ السَّلامِ والأُخُوَّة. لا يَجُوزُ استِخْدامُ اسمِ اللهِ "لتَبْريرِ أَعْمالِ القَتْلِ والتَشْريدِ والإرْهابِ والبَطْش". على العَكْسِ مِن ذَلِك، إنَّ اللهَ الذي خَلَقَ البَشَرَ مُتَساوينَ في الكَرامَةِ والحُقوق، يَدْعُونا إلى أنْ نَنْشُرَ المَحَبَّةَ والإحْسانَ والوِئام. وَفي العِراقِ أيضًا، تُريدُ الكَنيسَةُ الكاثوليكيَّة أنْ تَكونَ صَديقَةً لِلْجَميع، وأنْ تَتَعاوَنَ مِن خِلالِ الحِوار، بِشَكْلٍ بَنّاءٍ مَعَ الأدْيانِ الأُخْرَى، مِن أجلِ قَضِيَّةِ السَّلام. إنَّ وُجودَ المَسيحيّينَ العَريق في هذهِ الأرْضِ وإسْهامَهُم في حَياةِ البَلَدِ يُشَكِّلُ إرْثًا غَنِيًّا، ويُريدُ أنْ يكونَ قادِرًا على الاسْتِمْرارِ في خِدْمَةِ الجَميع. إنَّ مُشارَكَتَهُم في الحياةِ العامّة، كمُواطِنين يَتَمَتَعُونَ بِصُورَةٍ كامِلة بالحُقُوقِ والحُرِياتِ والمَسْؤُوليات، سَتَشْهَدُ علَى أنَّ التَعَدُدِيَّةَ الدينيَّةَ والعِرْقِيَّةَ والثَقافيَّةَ السَليمَة، يُمْكِنُ أنْ تُسْهِمَ في ازدِهارِ البَلَدِ وانْسِجامِه.
في ختام خطابه إلى السلطات المدنية في العراق قال البابا: أيُّها الأصْدِقاءُ الأَعِزّاء، أَوَدُّ أنْ أُعَبِّرَ مَرَةً أُخرَى عَن شُكْرِي الصَّادِق لِكُلِّ ما صَنَعْتُمُوهُ وما زِلْتُم تَصْنَعُونَهُ مِن أجلِ بِناءِ مُجْتَمَعٍ مُؤَسَّسٍ علَى الوَحْدَةِ الأَخَوِيَةِ والتَضامُنِ والوِئام. خِدْمَتُكُم لِلْخَيْرِ العامّ عَمَلٌ نَبيل. أَسْأَلُ اللهَ القَدير أنْ يُؤَيِّدَكُم في مَسْؤُولياتِكُم، وأنْ يُرْشِدَكُم جَميعاً على طَريقِ الحِكْمَةِ والعَدْلِ والحَقيقَة. لِكُلِّ واحِدٍ مِنْكُم، وَلِعائِلاتِكُم وَأَحِبائِكُم وَلِلْشَعْبِ العِراقيّ بِأَسْرِه، أَسْأَلُ اللهَ وافِرَ البَرَكاتِ الإلَهِيَّة. شُكْرًا!
إذاعة الفاتيكان