جميعنا تلاميذ مرسلون «متفرقات
في إطار زيارته الرسوليّة إلى تايلاند ترأس قداسة البابا فرنسيس القداس الإلهي عصر الخميس في الاستاد الوطني في بانكوك وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها "مَن أُمِّي ومَن إِخوَتي؟" بهذا السؤال حرّض يسوع الجمع الذي كان يصغي إليه لكي يسأل نفسه حول ما قد يبدو واضحًا وأكيدًا: من هم أعضاء عائلتنا، أولئك الذين ينتمون إلينا والذين ننتمي إليهم؟ وإذ ترك صدى السؤال يتردّد فيهم بشكل واضح وجديد أجاب: "مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات هو أَخي وأُختي وأُمِّي".
من المدهش أن نلاحظ كيف أنَّ الإنجيل قد نُسج في أسئلة تسعى لوضع التلاميذ في أزمة، تهزّهم وتدعوهم لكي ينطلقوا في المسيرة لكي يكتشفوا تلك الحقيقة القادرة على أن تعطي وتولِّد حياة، أسئلة تسعى لفتح القلوب والأفق على اللقاء مع حداثة أجمل مما يمكن تخيّله، لأن أسئلة المعلّم تريد أن تجدّد حياتنا على الدوام وحياة جماعتنا بواسطة فرح لا مثيل له. هذا ما حصل مع المرسلين الأوائل الذين انطلقوا في المسيرة ووصلوا إلى هذه الأراضي؛ إذ سمعوا كلمة الرب وسعوا لكي يجيبوا على طلباته تمكّنوا من أن يروا أنّهم ينتمون لعائلة أكبر من تلك التي تولّدها روابط الدم والثقافة والانتماء لمجموعة معيّنة. وبالتالي إذ كانت تدفعهم قوّة الروح القدس وقد ملأوا حقيبتهم بالرجاء الذي يولد من بشرى الإنجيل السارة، انطلقوا في المسيرة بحثًا عن أعضاء جُدُد لعائلتهم هذه التي لم يكونوا يعرفوها.
بدون هذا اللقاء كان وجهكم سيغيب عن المسيحية، كانت ستغيب أيضًا أناشيدكم ورقصاتكم التي تمثل ابتسامة الـ "Thai" التي تميّز أرضكم. هكذا رأوا بشكل أفضل مخطط الآب المحب الذي هو أكبر بكثير من حساباتنا وتوقعاتنا ولا يمكن تحويله إلى مجرّد مجموعة اشخاص معيّنة أو إطار ثقافي محدّد. إن التلميذ المرسل ليس "مُرتزقًا" للإيمان ولا يقوم بالاقتناص بل هو متسوِّل يعترف بأنّه بحاجة لإخوة وأخوات وأمهات يحتفل ويعيّد معهم بعطية المصالحة التي يعطيها يسوع لنا جميعًا.
لقد مرّت ثلاثمائة وخمسين عامًا على إنشاء النيابة الرسولية في سيام كعلامة للعناق العائلي الذي تمَّ في هذه الأرض. مرسلان فقط تحليا بالشجاعة لكي يرميا البذار التي، ومنذ ذلك الزمن البعيد، تنمو وتزهر في تنوّع مبادرات رسولية قد ساهمت في حياة الأمّة. هذا العيد لا يعني حنينًا إلى الماضي بل نار رجاء لأنّه يمكننا نحن أيضًا في الحاضر أن نجيب بنفس الحزم والقوّة والثقة. إنها ذكرى عيد وامتنان تساعدنا على الانطلاق بفرح لكي نتقاسم الحياة الجديدة التي تأتي من الإنجيل مع جميع أعضاء عائلتنا الذين لا نعرفهم بعد.
جميعنا تلاميذ مرسلون عندما نقرّر أن نكون جزءًا حيًّا من عائلة الرب ونحن نقوم بذلك متقاسمين كلّ شيء على مثاله: فهو لم يخف من الجلوس إلى المائدة مع الخطأة لكي يؤكِّد لهم أن على مائدة الآب والخليقة هناك مكان محفوظ لهم أيضًا، لمس الذين كانوا يُعتبرون مدنّسين وسمح لهم بأن يلمسوه وساعدهم لكي يفهموا قرب الله لا بل لكي يفهموا بأنّه يحق لهم الطوبى. أفكر بشكل خاص بأولئك الأطفال والنساء المعرّضين للدعارة وللإتجار بالبشر والمشوّهين في كرامتهم؛ بأولئك الشباب عبيد المخدرات واللا-معنى الذي يُظلم نظرتهم ويحرق أحلامهم؛ أفكر بالمهاجرين الذين جُرِّدوا من بيوتهم وعائلاتهم، بالأيتام والمتروكين بدون "قوّة ونور وتعزية الصداقة مع يسوع المسيح، بدون جماعة إيمان تستقبلهم وبدون أفق معنى وحياة" (الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل"، عدد ٤۹). هؤلاء يشكلون جزءًا من عائلتنا، إنّهم أمهاتنا وإخوتنا فلا نحرِمَنَّ جماعاتنا من وجوههم ومن جراحهم وابتساماتهم وحياتهم، ولا نحرِمَنَّ جراحهم من مسحة محبة الله الرحيمة.
أيتها الجماعة التايلاندية العزيزة لنسر قدمًا في المسيرة على خُطى المرسلين الأوائل لمي نلتقي ونكتشف ونعترف بفرح بجميع وجوه الأمهات والآباء والإخوة الذين يريد الرب أن يعطينا إياهم والغائبين عن مائدة يوم الأحد.
إذاعة الفاتيكان.