بطرس وبولس عمودا الكنيسة «متفرقات

 

 

بطرس وبولس عمودا الكنيسة

 

 

بطرس وبولس عمودا الكنيسة. هذا ما تلحّ عليه غالبيّة التقاليد الكنسيّة. بطرس هو الصَّخرة التي يبني المسيح الكنيسة عليها، وبولس رسول الأمم، الذي فتح الإيمان المسيحيّ على العالم الوثنيّ، ونشر المسيحيّة في جميع أرجاء الإمبراطوريّة الرُّومانيّة.

 

إنّ دراسة حياة كلٍّ من هذين الرَّسولَين العظيمَين تبيّن اختلاف الطباع الشّديد بينهما، واختلاف التوجّهات والاختيارات. وإذا قلنا إنّ الواحد منهما كان أصوليًّا والثاني ليبراليًّا يخال لنا أنّ الأصوليّ هو بطرس والليبراليّ هو بولس. كيف لا والأصوليّة تتميّز بالجمود والتحجّر (بطرس الصّخرة) والليبراليّة تتميّز بالانفتاح (بولس رسول الأمم). بيد أنّ الحقيقة تخالف هذا تمامًا.

 

كان بطرس يهوديًّا، متمسّكًا بشريعة اليهود. لكنّ يسوع المسيح رافقه ودرّبه كي يكون إنسانًا منفتحًا. ففي أعمال الرُّسل (الفصل 10)، نال رؤيا رأى فيها مختلف أنواع الأطعمة، الطاهر والنجس، وسمع صوتًا يدعوه ليأكل، فامتنع لأنّ هذا يخالف الشّريعة. لكنّ الصوت والأحداث التي تلت هذه الرُّؤيا علّمته أنّ الديانة الجديدة ليست بدعة يهوديّة، بل إيمان جديد يستطيع كلّ إنسانٍ مهما كان أن يجد فيه مكانًا.

 

وبولس وصل إلى النتيجة نفسها بطريقةٍ أخرى. كلّنا نعرف كم كان أصوليًّا، وكيف أنّه أخذ رسائل من الرؤساء ليضطهد المسيحيّين في دمشق. وبعد اهتدائه ظلّ هذا الطبع فيه. حين رأى مقاومة اليهود لكلمة الله، توجّه إلى الوثنيّين وثار على الشريعة، وناضل كي يعفو الوثنيّين المتنصّرين من الالتزام بها.

 

أمام هذا الاكتشاف الجديد، سلك كلّ رسولٍ من الرسولَين مسلكًا مختلفـًا. فقد اختار بطرس، الصَّخرة، الطريق التوفيقيّ. ينبغي لنا أن نحترم اليهود المتنصّرين، ولا نُعارض تمسّكهم بشريعة أجدادهم، في حين علينا أن نقبل ألاّ يلتزم الوثنيّون المتنصّرين بها.

 

أمّا بولس، فكان أصوليًّا حادًّا، ولا يقبل هذا الحلّ التوفيقيّ. لقد انتهى عصر الشَّريعة، وعلى جميع المسيحيّين أن يتركوها ليعيشوا في عصر النعمة.

 

إنّ اختلاف الموقفَين أثار خلافًا بين الرَّسولَين يُعرَف باسم حادثة أنطاكية. ونستطيع أن نقرأه في الرِّسالة إلى أهل غلاطية الفصل 2. ولكنّ الرُّوح القدس الذي كان يقود الكنيسة ويقود هذَين الرَّسولَين العظيمَين قاد هذا الخلاف إلى فهمٍ أعمق لرسالة الإنجيل.

 

إنّ الصِّراع بين التيّارَين الأصوليّ والليبراليّ لا يزال قائمًا، لا في الكنيسة وحسب، بل في كلّ الأديان والثقافات والمجتمعات. كلّ واحد يدّعي امتلاك الحقيقة، وكلّ واحد يعتبر الآخر ضالاًّ. وسيستمرّ هذا الصّراع إلى الأبد طالما أنّه بعيد عن روح الله.

 

فالرُّوح هو الذي يخلق الوفاق بين المتناقضات. فلنصلِّ للرُّوح القدس كي يقيم فينا، ويجعلنا نرى بحكمته الإلهيّة الحقيقة التي لا تنبذ أحدًا، ولا تدين أحدًا، بل تجمع الجميع في عالمٍ قوامه المحبّة والاحترام، عالم يفرح للاختلاف بدل أن يضطرب منه.

 

 

 

الأب رامي الياس اليسوعي.