القيامة «متفرقات
لقد مشينا في هذه الأيّام الأخيرة، منذ يوم الأحد الماضي، حيث استقبلنا بسعفنا وهتافاتنا، يسوع وهو يدخل مدينة القدس. لقد مشينا على قدر استطاعتنا، على مسار أيّام هذا الأسبوع، مندفعين لنكون هنا، نسمع وننظر، أحياناً أيضاً لا نريد لا أن نسمع ولا أن نرى، أو على الأقل من بعيد، مأخوذين من قبل دوافع أخرى وشائعات العالم.
ولكن من المُمكن أنّنا تفاجأنا بأنّنا متأثرين بإصغائنا لما حصل ليسوع. ثمّ، كانت هناك مائدة العشاء الأخير، مع غسل الأرجل، والسّاعات الطوال التي، من بستان الصّليب تركتنا إلى حدّ ما بحالة من الذهول، كلّ منّا محاولاً أن يجد مكانه في مجمل هذه الرّواية، حتّى النفس الأخير ليسوع، من أجل أبيه ومن أجلنا، قبل أن يبدأ الانتظار.
نعم، لقد مشينا هذا الأسبوع. هذا الأمر جعلني أفكّر بالشّاعر الأميركيّ بليز ساندرارز. هذا الكاتب الغير مسيحيّ، أو أقلّه بالهويّة، في سنة 1912 ، بينما كان يتمشّى في إحدى لياليه التّائهة ويتأمّل وجوه البشريّة المتألمة والمحبّة، فكّر بنزاع وآلام المسيح في وسط العالم. وتكلّم معه، وهو يشكّ قليلاً في أن يستطيع الله أن يعمل شيئاً ليُخرج هذا العالم، وهو معه، من يأسه العنيف، كما يقول.
نعم، نحن أيضاً مشينا في هذه الأيّام الأخيرة وعبرنا أماكن مظلمة من حياتنا، توقفنا ولا نريد التقدم، متخلّين عن المكان حيث ينتظرنا الله. هذه الأيّام لها طعم حياتنا، تاريخنا الشّخصيّ، يأسنا واستسلامنا وأحزاننا، لكن أيضاً رجاءنا وصراعاتنا. أحياناً هناك صلبان وآلام تبدو كما لو أنّها لن تنتهي يوماً. وقيامات تتأخر كثيراً لتتحقـَّـق.
كلّ الأشياء التي يسلّط عليها إنجيل القيامة نور جديد. العبور من اليأس إلى الرّجاء، ومن الخوف إلى الثقة، هذا هو طريق الإيمان. إنّه الطريق الذي سلكته النسوة في صباح الفصح وأدخلهم في زمن جديد، في علاقة جديدة مع الحياة.
عندما كنت أحضر هذه الموعظة، انتبهت أنّنا في هذه الليلة سنغيّر السّاعة، لنعبر إلى التوقيت الصيفيّ، فابتسمت! قائلاً في نفسي أنّ نسوة الإنجيل كانوا أوّل مَن غيّر السّاعة بطريقة ما، ووجّهوا حياتهم بحسب هذه اللّحظة الجديدة للعالم. كان لا بدّ لهم من تمضية اللّيل ليسيروا عند الفجر.
ومع ذلك، لا تزال هؤلاء النّسوة تعيش في قلبها بحسب السّاعة القديمة، ساعة الموت. فخبر القيامة يصل ككسر في تاريخ البشريّة. إنّها تنقل وتحرّك ما كان يبدو أنّه جامد، متوقف للأبد. بداية استولى عليهم الخوف، طالما أنّنا غالباً نميل أكثر إلى انتصار الموت على الحياة، من انتصار الحياة على الموت.
فلا بدّ من تدخّل هذين الشّخصين بلباس ساطع، والتّذكير بما قاله لهم يسوع، لكي يصبحوا أوّل رسل القيامة. وتبدأ بالنسبة لهم ساعة جديدة، زمن جديد. غير معروف، مفاجئ، منفتح على أفق أكبر من وجودهم. فهل نحن نساء ورجال هذا الجديد؟
ألسنا غالباً مُجرّبين بالعودة إلى قبورنا لنبقى فيها؟ مذهولين بظلمتهم، بينما علينا النظر إلى مكان آخر؟ متناسين ما قاله الله لكلِّ واحد وواحدة منّا. متردّدين عن التخلي عمّا قد مات، ونعرفه جيّداً، لكي نتصوّر جديد حياة منفتحة؟ نعم، لدينا جميعاً قبور علينا التخلّي عنها.
وحياة علينا استقبالها أيّاً كان عمرنا. في قلب الإيمان المسيحيّ، هناك إعلان لتجديد جذريّ، لبداية جديدة. فهل نؤمن بذلك؟ إذا نظرنا إلى حياة هذا العالم، نجد أنّ هناك أسباب حقيقيّة للقلق والخوف وهي كثيرة. وعصرنا يمكنه أن يتخبط في شقاء الأزمنة. فهل نحن مسيحيِّين بالكفاية لنؤمن ونؤكّد بأنّ القائم من بين الأموات ربح بشكلٍ نهائيّ؟
هل نحن مسيحيِّين بالكفاية لكي نميّز الموت الذي يقود إلى العدم من الموت الذي، كحبّة الحنطة التي وقعت في الأرض، يفتح على الحياة؟ لكي نعرف علامات هذه الحياة، المختلفة عن ما يمكننا تخيّله أو تصوّره، لكنّها واقعيّة؟ البابا بنديكتس السّادس عشر، لدى افتتاح سنة الإيمان، يقول:
«الإيمان المُعاش يفتح القلب على نعمة الله التي تحرّر من التشاؤم. واليوم، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، التبشير يعني الشّهادة لحياة جديدة، متحوِّلة من قبل الله، وبالتالي نشير إلى الطريق».
وكصدى لهذه الكلمات يقول البابا فرنسيس مباشرة بعد تنصيبه «علينا أن لا نستسلم للتشاؤم، لنوع من المرارة التي يعرضها علينا الشّيطان كلّ يوم. علينا أن لا نستسلم للتشاؤم واليأس، وليكن لدينا اليقين بأنّ الرّوح القدس يعطي للكنيسة، الشجاعة للثبات من أجل حمل الإنجيل حتى أقاصي الأرض».
القائم من بين الأموات يدعونا للتحرّر من التشاؤم بدون سذاجة، وأن نكون رجال ونساء متمسِّكين بالرَّجاء. يبدو لي أنّ إحدى أولى مهمّاتنا كمسيحيِّين هي مساعدة الإنسان على الرَّجاء، مساعدة معاصرينا ليتخيلوا، شخصيّاً وفي المجتمع، التجديدات التي لا بدّ منها. الكاتب شارل بيغي تحدّث عن المعموديّة كسرٍّ يبدأ.
هناك شيء يبدأ لنا هذه الليلة، نحن من قرّرنا أن نوجّه حياتنا بحسب المسيح. التزامنا يوقظ إيماننا جميعاً. إنّه يحدّثنا عن ما هو الأكثر جوهريّاً. فالعماد ليس بطقس حماية سحريّ يجعلنا نعبر الوجود بدون مشاكل وهموم. العماد لا يعني أنّنا نصبح أفضل من الآخرين.
فأن نتعمّد، أن نصبح مسيحيِّين، هذا يعني الاعتراف بأنّنا موضوع حبّ يتجاوزنا ومدعوّين لنعيشه. يعني التأكيد على أنّه باختيارنا المسيح، نذهب باتّجاه الحياة مهما احتفظ لنا الوجود من مفاجئات.
فلتجدّد قيامة المسيح إيماننا وتضعنا على طرق حياتنا فرحين وواثقين بقدرة هذا الحبّ الذي يتجاوز كلّ ما يمكن تخيله. والذي لم ينتهِ من ادهاش العالم.
الأب رامي الياس اليسوعي.