البابا يحتفل بالذبيحة الإلهية في عيد القديسين بطرس وبولس «متفرقات
ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء القداس الإلهي في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان بمناسبة الاحتفال بعيد القديسين الرسولين بطرس وبولس، سلّم خلاله درع التثبيت لخمسة وعشرين أسقفًا وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة استهلها بالقول:
إن كلمة الله في هذه الليتورجية تحتوي على كلمتين أساسيّتين: انغلاق وانفتاح. ويمكننا أن نقرّب لهذه الصورة أيضًا علامة المفاتيح التي يعد بها يسوع سمعان بطرس لكي يفتح مدخل ملكوت السماوات، ولا يغلقه في وجه الناس كما كانوا يفعلون بعض الكتبة والفريسيين المرائين الذين كان يسوع يوبّخهم.
تقدّم لنا القراءة من أعمال الرسل ثلاثة انغلاقات: انغلاق بطرس في السجن، انغلاق الجماعة التي كانت تصلّي؛ وانغلاق بيت مريم، أم يوحنا الملقّب مرقس، حيث قرع بطرس الباب بعد أن تمّ تحريره. بالنسبة للإنغلاقات، تظهر الصلاة كدرب الخروج الأساسيّة: درب خروج للجماعة التي تُجازف بالانغلاق على نفسها بسبب الاضطهادات والخوف؛ درب خروج لبطرس الذي وإذ لا يزال في أول الرسالة التي أوكلها الرب إليه طرحه هيرودس في السجن وهُدّد بعقوبة الموت.
وبينما كان بُطرُسُ مَحفوظًا في السِّجن، "كانت الصَّلاةَ تَرتَفِعُ مِنَ الكَنيسةِ إِلى اللهِ بِلا انقِطاعٍ مِن أَجلِه" (أعمال 12، 5). استجاب الرب للصلاة وأرسل ملاكه ليحرّره "وينقذه من يد هيرودس" (
الآية 11). إن الصلاة، كتسليم متواضع لله ومشيئته، هي على الدوام درب خروج من انغلاقاتنا الشخصيّة والجماعيّة.
هكذا بولس أيضًا، وإذ يكتب إلى تيموتاوس، يتحدّث عن خبرة تحريره وخروجه من خطر عقوبة الموت أيضًا، لكن الرّبّ كان معه وقوّاه لكي يتمم عمله في حمل البشارة إلى الأمم. لكن بولس يتحدث عن "انفتاح" أكبر على أفق شاسع: أفق الحياة الأبديّة الذي ننتظره بعد أن نختتم مسيرتنا الأرضيّة.
إنه لأمر جميل أن نرى حياة الرسول "في خروج" دائم بفضل الإنجيل: تنبسط إلى الأمام، أولاً لتحمل المسيح للذين لا يعرفوه ومن ثمَّ لترتمي بين ذراعيه ليحملها ويُخلِّصها، وَيَجعَلها لِمَلَكوتِه السَّماوِيّ.
نعود إلى بطرس، تظهر لنا الرواية الإنجيليّة لإعلان إيمانه والرسالة الناتجة عنه والتي أوكلها يسوع إليه أن حياة سمعان، كحياة كل فرد منا – تنفتح عندما تقبل نعمة الإيمان من الله الآب. وبالتالي يضع سمعان نفسه على الدرب التي ستحمله على الخروج من ذاته ومن ضماناته البشريّة لاسيما من كبريائه الممزوج بالشجاعة ومحبة الآخرين السخيّة.
في مسيرة تحرُّره هذه تلعب دورًا قاطعًا صلاة يسوع: "لكِنَّي دَعَوتُ لَكَ [يا سمعان]، أَلاَّ تَفقِدَ إِيمانَكَ" (لوقا 22، 32). كما أنها قاطعة أيضًا نظرة الرب المُفعمة بالشفقة لبطرس الذي أنكره ثلاث مرات: نظرة تلمس القلب وتُذيب دموع التوبة (لوقا 22، 61- 62). عندها حُرّر سمعان بطرس من سجن الأنا المتكبّر والخائف، وتخطّى تجربة الانغلاق على ذاته إزاء دعوة يسوع له لإتباعه على درب الصليب.
عندما وجد بطرس نفسه بشكل عجائبي خارج سجن هيرودس، ذهب إلى بيت أم يوحنا الملقّب مرقس. قرع الباب فأجابته من الداخل جارِيَةٌ اسمُها رَوضَةُ وإذ عرفت صوت بطرس، لم تفتح الباب من فرحها بل أسرعت لتخبر سيّدتها.
إن الرواية والتي تبدو لنا مضحكة تجعلنا نشعر بجو الخوف الذي كانت تعيشه الجماعة المسيحيّة التي كانت تبقى منغلقة في البيت ومنغلقة أيضًا على مفاجآت الله. هذا التفصيل بالذات يحدِّثنا عن التجربة التي نجدها على الدوام في الكنيسة: تجربة الانغلاق على نفسها أمام المخاطر.
ولكننا نجد هنا أيضًا الفُتحة الصغيرة التي يعبر من خلالها عمل الله: يخبر القديس لوقا أن في ذلك البيت "كانت هُناكَ جَماعةٌ مِنَ النَّاسِ تُصلِّي" (الآية 12). إن الصلاة تسمح للنعمة بأن تفتح مخرجًا: من الانغلاق إلى الانفتاح، من الخوف إلى الشجاعة ومن الحزن إلى الفرح. ويمكننا أن نضيف من الانقسام إلى الوحدة. ونقوله اليوم بثقة مع إخوتنا من الوفد الذي أرسله البطريرك المسكوني برتلماوس العزيز، ليشارك في عيد القديسين شفيعي روما.
ليشفع بنا القديسان بطرس وبولس لكي نتمكن من إتمام هذه المسيرة بفرح ونختبر عمل الله المُحرّر ونشهد لها أمام الجميع.
إذاعة الفاتيكان.