البابا يحتفل بالذبيحة الإلهية عن راحة أنفس الكرادلة والأساقفة «متفرقات



البابا يحتفل بالذبيحة الإلهية عن راحة أنفس الكرادلة والأساقفة


ترأس قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الثلاثاء القدّاس الإلهيّ في بازيليك القدّيس بُطرس بالفاتيكان عن راحة نفس الكرادلة والأساقفة المتوفين خلال هذه السنة وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها: نتذكّر اليوم إخوتنا الكرادلة والأساقفة المتوفين خلال هذه السنة. لقد أحبّوا على هذه الأرض عروستهم الكنيسة ونحن نصلّي لكي يتنعموا في الله بالفرح الكامل في شركة القدّيسين.


 لنفكر بامتنان بدعوة هؤلاء الخدام المقدّسين، وفيما نطلب من أجلهم المكافأة المحفوظة "للخدّام الصّالحين والأمناء" (متى 25، 14-30)، نحن مدعوّون لنجدّد اختيارنا في خدمة الكنيسة. هذا ما يطلبه الرّبّ منّا، هو الذي كخادم غسل أرجل تلاميذه، يدعونا لنتشبّه به. فالله قد خدمنا أوّلاً. وخادم يسوع، الذي جاء ليَخدُم ولا ليُخدَم لا يُمكنه إلّا أن يكون راعيًا مستعدًّا لبذل حياته في سبيل الخراف. إنّ الذي يخدم ويعطي، يبدو فاشلاً في أعين العالم. لكن في الواقع يجد المرء حياته من خلال بذلها، لأنّ الذي يتخلّى عن حياته ليضيع في الحبّ يتشبّه بالمسيح: يتغلّب على الموت ويُعطي الحياة للعالم.


 من يخدم يخلّص وهذا ما يذكّرنا به الإنجيل. يقول لنا يسوع "إنّ الله أحبّ العالم" حبًّا ملموسًا لدرجة أنّه أخذ موتنا على عاتقه. وليخلّصنا جاء إلينا إلى حيث كنّا. هذا هو التنازل الذي قام به ابن الله إذ انحنى علينا كخادم ليأخذ كلّ ما هو لنا ويشرّع لنا أبواب الحياة.


في الإنجيل يُشبه المسيح نفسه "بالحيّة التي رُفعت". صورة تذكّرنا بحدث الحيّات السّامة التي كانت تهاجم الشعب خلال مسيرته في الصّحراء. كان الإسرائيليون إذا لدغتهم الحيّات لا يموتون بل يخلصون إذا نظروا إلى الحيّة النحاسيّة التي رفعها موسى على سارية بطلب من الله. حيّة تخلّص من الحيّات. وهذا المنطق عينه نجده حاضرًا في الصّليب الذي يشير إليه يسوع في حديثه مع نيقوديموس. فموته يخلّصنا من موتنا.


في الصحراء، كانت الحيّات تسبّب موتًا أليمًا. وفي عيوننا أيضًا يظهر الموت مُظلمًا ومأساويًّا. هكذا نختبره ويخبرنا الكتاب المقدّس أنّ الموت قد دخل إلى العالم بحسد إبليس (حك 2، 24). ويسوع لم يهرب من الموت بل أخذه على عاتقه مع كلّ تناقضاته. والآن وبنظرنا إليه وإيماننا به يُخلصنا: وكلّ من يؤمن بالإبن تكون له الحياة الأبديّة.


إنّ هذا الأسلوب لله الذي يخلّصنا بخدمته لنا وبتجرّده من ذاته يمكنه أن يعلّمنا الكثير. نحن نتوقع انتصارًا إلهيًّا مهيبًا لكن يسوع يظهر لنا انتصارًا متواضعًا جدًّا. يصعب علينا قبول هذا الواقع. إنه سرّ، وسرّ هذا التواضع العظيم يكمن كلّه في قوّة الحبّ. ففي فصح يسوع نرى في الوقت عينه الموت والدواء له، وهذا الأمر ممكن فقط بفضل الحبّ الكبير الذي أحبّنا الله به، بفضل الحبّ المُتواضع الذي يتنازل ليخدم ويأخذ حالة العبد.


وبهذا الشكل لم يُزِل يسوع الشرّ فقط بل حولّه أيضًا إلى خير. لقد جعل من الصّليب جسرًا إلى الحياة. ونحن أيضًا يمكننا أن ننتصر معه إن اخترنا الحبّ المتواضع الذي يخدم ويبقى مُنتصرًا على الدّوام. إنّه حبّ لا يصرخ ولا يفرض ذاته بل هو حبّ يعرف كيف ينتظر بثقة وصبر لأنّه من "الخير أن يُنتظَر بسكوت خلاص الرّبّ" (مراثي 3، 26).


 "إنّ الله أحبّ العالم". وفي هذه الافخارستيّا يأتي أيضًا ليخدمنا ويعطينا الحياة التي تخلّص من الموت وتملأ بالرّجاء. وإذ نقدّم هذه الذبيحة الإلهيّة من أجل إخوتنا الأعزّاء الكرادلة والأساقفة، نطلب من أجلنا ما يحثنا عليه القدّيس بولس الرّسول: "ارغبوا في الأُمورِ الَّتي في العُلى، لا في الأُمورِ الَّتي في الأَرض" (قول 3، 2)؛ أي حبّ الله والقريب، أكثر من احتياجاتنا. ليكن فصح الرّبّ كافيًا لحياتنا، فنكون أحرارًا من قلق واهتمامات الأمور الزائلة، وليكفنا يسوع وحده الذي فيه الحياة والخلاص والقيامة والفرح، فنكون خدّامًا بحسب قلبه: لا مجرّد أُجراء يقومون بعملهم وإنّما أبناء محبوبون يبذلون حياتهم من أجل العالم.      


إذاعة الفاتيكان.