البابا فرنسيس يلتقي أساقفة المكسيك «متفرقات
إلتقى قداسة البابا فرنسيس يوم السبت الثالث عشر من شباط فبراير، أساقفة المكسيك في كاتدرائية سيّدة الإنتقال في العاصمة، ووجّه كلمة قال فيها:
أفرح بوجودي معكم هنا بالقرب من جبل التيبيّاك كما في فجر البشارة في هذه القارة وأسألكم أن تسمحوا لي بأن أكلّمكم انطلاقًا من العذراء سيّدة غوادالوبي. كم أرغب بأن تحمل هي بنفسها إلى نفوسكم كرعاة، ومن خلالكم إلى كل من كنائسكم الحاضرة في هذه البلاد الواسعة، كل ما ينبثق من قلب الأب الأقدس. وكما فعل القديس خوان دييغو والأجيال اللاحقة من أبناء العذراء سيّدة غوادالوبي هكذا أيضًا كان الأب الأقدس يرغب منذ زمن طويل برؤيتها، لا بل أريد أيضًا أن تغمرني بنظرها الوالدي. لقد تأمّلت مطولاً في سرّ هذه النظرة وأسألكم أن تقبلوا ما ينبعث في هذه اللحظات من قلبي كراع.
تُعلِّمنا العذراء مريم أولاً أن القوّة الوحيدة القادرة على امتلاك قلب البشر هي حنان الله. فما يجذبنا ويُسحرنا ويفتح السلاسل ويحلّها ليست قوّة الأدوات أو قساوة القانون وإنما ضعف قدرة المحبّة الإلهيّة أي قوّة عذوبته ورحمته. أعرف تاريخكم الطويل والأليم الذي عشتموه والمطبوع بالدم والعنف وعدم التفهّم؛ وفي هذا التاريخ عينه لم يظهر الحشا الوالدي الذي ولد المكسيك باستمرار أبدًا عقيمًا، لذلك أدعوكم لتنطلقوا مجدّدًا من هذه الحاجة لحشا ينبثق من روح شعبكم. إن حشا الإيمان المسيحي قادر على مصالحة الماضي الذي غالبًا ما يكون مطبوعًا بالوحدة والتهميش، مع مستقبل يبتعد باستمرار عن غدٍ هارب. في ذاك الحشا فقط يمكننا اكتشاف الحقيقة العميقة لبشريّة جديدة نكون فيها جميعنا مدعوّين لنكون أبناء الله.
إنحنوا برقة واحترام على روح شعبكم وانزلوا باهتمام وافهموا وجهه السرّي. لكن ولتُحقِّقوا هذا الأمر من الضروري أن تتبنَّوا نظرة قادرة على إظهار حنان الله. لذلك كونوا أساقفة ذوي نظرات صافية ونفوس شفّافة ووجه منير. لا تخافوا من الشفافيّة. اسهروا لكي لا يحجُب أنظارََكم ظلُّ ضباب روح العالم. لا تسمحوا للماديّة الشائعة بأن تفسدكم. إن العالم الذي يدعونا إليه الله لنقوم فيه بخدمتنا قد أصبح مُعقّد جدًا. لكن وفي هذا العالم بالذات، يطلب منا الله أن نتحلى بنظرة قادرة على فهم السؤال الصارخ في قلب شعبكم. وعلى هذا السؤال ينبغي علينا أن نجيب أن الله موجود وهو قريب من خلال يسوع، وبأن الله وحده هو الحقيقة التي ينبغي أن نبني عليها.
يحقُّ للشعب المكسيكي أن يجد في نظراتكم علامات لأشخاص رأوا الرّبّ وأقاموا معه؛ وهذا هو الجوهري. لا تسمحوا للثرثرة بأن توقفكم وأدخِلوا كهنتكم في فهم هذا السرّ المقدّس إذ تكفينا نحن خدام الله نعمة أن "نشرب كأس الرّبّ"، عطيّة المحافظة على الميراث الذي أوكِل إلينا، ولنسمح للآب بأن يعطينا المكان الذي أعده الله لنا.
إن لم تشهد نظرتنا على لقائنا بيسوع فستبقى كلماتنا عنه مجرّد تعابير منمّقة وفارغة. أفكر في ضرورة أن تقدموا حشا والدي للشباب؛ لذلك لتكن نظراتكم قادرة على الإلتقاء بنظراتهم وعلى محبتهم وفهم ما يبحثون عنه بقوة مَن تَرك السفينة والشباك على الشاطئ وتبع رب الغنى الحقيقي. أسألكم ألا تخففوا من أهميّة التحدّي الأخلاقي وغير المدني الذي تشكله تجارة المخدرات بالنسبة للمجتمع المكسيكي بأسره وللكنيسة أيضًا. فقط انطلاقًا من العائلات ومن خلال الاقتراب من الضواحي البشريّة والوجوديّة ومعانقتها يمكننا أن نتحرّر بالكامل من المياه التي تغرق فيها أرواح كثيرة.
لقد نسج الله في تكوين الروح المكسيكيّة وجه ظهوره في سيّدة غوادالوبي، فالله لا يحتاج لألوان باهتة ليرسم وجهه لأن مُخطّطات الله ترسمها محبّته التي تريد أن تنطبع في قلوبنا. كونوا أساقفة قادرين على التشبّه بحريّة الله الذي يختار ما هو متواضع ليُظهر عظمة وجهه، وعلى التشبّه بصبره الإلهي لينسج فيكم الإنسان الجديد الذي تحتاجه بلادكم. لذلك لا تسمحوا للبحث العقيم على تغيير شعبكم بأن يستحوذ عليكم كما ولو أن محبة الله لا تملك القوة الكافية لإحلال هذا التغيير.
أسألكم أن تتحلوا بنظرة خاصة للشعوب الأصليّة وثقافاتهم. إن المكسيك يحتاج لجذوره الهنديّة الأمريكيّة، فلا تتعبوا من تذكير شعبكم بقوة جذوره القديمة التي سمحت بنمو الخلاصة المسيحيّة الحيّة للشركة البشريّة والثقافية التي صُقلت هنا. تذكّروا أن شعبكم قد بسط أجنحته مرات عديدة فوق العديد من الصعوبات والعوائق. حافظوا على ذكرى المسيرة الطويلة التي قمتم بها واخلقوا رجاء آفاق جديدة لأن الغد سيكون أرضًا مثمرة بالرغم من التحدّيات التي يمكن أن نواجهها. ولتُساهم نظراتكم في وحدة شعبكم ولتعزز المصالحة في اختلافاته والإندماج في تنوّعه.
أسألكم ألا تسقطوا في شللِ إعطاء أجوبة قديمة على أسئلة جديدة. إن ماضيكم هو بئر غنى ينبغي عليكم اكتشافه. أدعوكم لتتعبوا بدون خوف في رسالة حمل البشارة وتعميق الإيمان من خلال تعليم مسيحي يقوم على الأسرار ويعرف كيف يغتني من التقوى الشعبية لأناسكم. إن زمننا يتطلّب اهتمامًا راعويًّا بالأشخاص والمجموعات التي ترغب بأن تلتقي بالمسيح الحيّ. وحدها توبة راعويّة لجماعاتنا بإمكانها أن توّلد وتغذّي اليوم تلاميذًا ليسوع.
وكما يعلّمنا تقليدنا الجميل إن سيّدة غوادالوبي تحفظ نظرات الذين يتأمّلون بها وتعكس وجه الذين يلتقون بها. ينبغي علينا أن نتعلّم أن هناك شيئًا فريدًا في كل شخص من الذين ينظرون إلينا بحثًا عن الله، وبالتالي لا يمكننا أن نصبح غير مبالين بهذه النظرات، وإنما ينبغي علينا أن نحافظ على كل منها ونحفظها في قلوبنا ونحميها. وحدها كنيسة قادرة على حماية وجه الإنسان الذي يقرع على بابها بإمكانها أن تحدّثه عن الله. لذلك أسألكم أن تحفظوا في قلوبكم أولاً وجوه كهنتكم. لا تتركوهم عرضة للوحدة والإهمال. تنبّهوا وتعلّموا كيف تقرؤون نظراتهم لتفرحوا معهم عندما يفرحون وتعضدونهم بالشركة مع المسيح عندما يكونون موهني العزيمة. لا تغيبنَّ أبوّتكم عن كهنتكم وشجّعوا الشركة فيما بينهم وساعدوهم على عيش مواهبهم وتحسينها.
من خلال نظره إلى سيّدة غوادالوبي فقط يمكن للمكسيك أن يكتسب نظرة شاملة عن نفسه. وبالتالي أدعوكم لتفهموا أن الرسالة التي توكلها الكنيسة لكم تتطلب هذه النظرة التي تعانق الشموليّة، وهذا الأمر يتحقق فقط من خلال الشركة. إن سيّدة غوادالوبي تضع زنّارًا يشير إلى خصوبتها. إنها العذراء التي تحمل في أحشائها الابن الذي ينتظره البشر. إنها الأم التي تخلق بشريّة العالم الجديد. إنها العروسة التي تستبق الأمومة الخصبة لكنيسة المسيح وأنتم تملكون الرسالة بأن تلفّوا الأمّة المكسيكيّة بخصوبة الله.
وفيما نفرح على المسيرة التي قمنا بها خلال هذه السنوات أسألكم ألا تسمحوا للصعوبات بأن تضعفكم ولا توفّروا أي جهد لتعززوا الحماس الرسولي، لاسيما تجاه الأطراف الأشدّ عوزًا لجسد الكنيسة المكسيكية الواحد. أن تكتشفوا مجدّدًا أن الكنيسة هي رسالة هو أمر جوهري لمستقبلها، لأنه وحدهما حماس المبشّر ودهشته يملكان القوّة على جذب الآخرين. وبالتالي أسألكم أن تهتموا بشكل خاص بتنشئة العلمانيين وتحضيرهم لاسيما من خلال شهادتكم لإنجيل المسيح في العالم.
إن الرسالة شاسعة وحملها قدمًا يتطلّب أساليب عديدة، لذلك أحثكم على الحفاظ على الشركة والوحدة فيما بينكم، الشركة هي الشكل الحيّ للكنيسة ووحدة رعاتها هي الدليل على ثباتها وحقيقتها. إن البلاد وكنيستها المتعددة الأشكال تحتاجان لأساقفة خدام وحراس للوحدة المبنيّة على كلمة الرّبّ. إن الكنيسة ليست بحاجة لأمراء وإنما لجماعة شهود للرّبّ، يكون المسيح نورها الأوحد ونبع مائها الحيّ. من واجبكم أن تزرعوا المسيح في الأرض وتحافظوا على نوره المتواضع متّقدًا وتتأكدوا من أن تروي مياهه عطش شعبكم.
اسمحوا لي بكلمة أخيرة لأعبر عن تقدير الأب الأقدس لكل ما تقومون به لمواجهة تحدّي عصرنا المتمثّل بالهجرة. ملايين هم أبناء الكنيسة الذين يعيشون اليوم في الشتات تاركين وراءهم جذورهم. أيّها الإخوة لتكن قلوبكم قادرة على إتِّباعهم ومرافقتهم أبعد من الحدود. عزّزوا الشركة مع إخوتكم في الأسقفيّة في الولايات المتّحدة لكي يحافظ حضور الكنيسة الوالدي على جذور إيمانهم حيّة. أيّها الإخوة الأعزّاء، إن الأب الأقدس متأكد أن المكسيك وكنيسته سيصلان في الوقت المحدّد على الموعد مع ذواتهما ومع التاريخ ومع الله. في الواقع هل يمكن لأحد تنتظره أم أن يصل متأخرًا؟ لاسيما الذي يسمع على الدوام في قلبه صدى كلماتها: " ألست أنا أمك هنا معك؟".
موقع الكرسي الرسولي.