البابا فرنسيس يفتتح مؤتمر أبرشيّة روما «متفرقات

البابا فرنسيس يفتتح مؤتمر أبرشيّة روما

 

 

 

"ينبغي على راعوية العائلة أن تطال كل عائلة، وأن تتحلّى بموقف شفقة وتقدِّر شهادة المسنين" هذه هي الدعوة التي وجهها قداسة البابا فرنسيس في كلمته مفتتحًا مؤتمر أبرشيّة روما والذي يحمل هذا العام عنوان: "مسيرة العائلة في روما في ضوء الإرشاد الرسولي فرح الحب".

 

السير على الدروب المفتوحة لمسيرة السينودس لنفهم بشكل أفضل الإرشاد الرسولي "فرح الحب" هذا ما تمحورت حوله كلمة البابا فرنسيس في افتتاحه مؤتمر أبرشيّة روما ليساعد في مسيرة الفهم هذه حدّد الأب الأقدس، من خلال ثلاث صور بيبليّة، ثلاث مسائل أساسيّة:

 

الوصول إلى جميع العائلات،

 

عدم اعتماد راعوية مُغلقة

 

وإفساح المجال للمسنين وشهادتهم.

 

استهل الحبر الأعظم كلمته بالحديث عن صورة موسى الذي طلب منه الله أمام العُلّيقة المُلتهبة بأن يخلع نعليه وقال إنها صورة تذكّرنا بالمواضيع التي عالجها السينودسان الماضيان والتي لم تكن مجرّد مواضيع وإنما وجوه ملموسة لعائلات عديدة.

 

 كم يساعدنا أن نعطي وجوهًا لمواضيعنا! وكم يساعدنا أن نتنبّه أنّه خلف الأوراق هناك وجوه معيّنة! هذا الأمر يحررنا من التسرُُّع للحصول على نتائج قد صيغت بأسلوب جيّد ولكنها خالية من الحياة؛ يحرّرنا من التكلم بطريقة مجرَّدة ومُطلقة لنتمكن من الاقتراب من الأشخاص والالتزام معهم بشكل ملموس؛ ويحمينا من تحويل الإيمان إلى مجرّد إيديولوجيّة من خلال أنظمة موجّهة ولكنها تتجاهل عمل النعمة.

 

 إن الإيمان هو الذي يدفعنا كي لا نتعب من البحث عن حضور الله في تغيّرات التاريخ؛ وبالتالي فالعائلات في رعايانا، بالرغم من تعقيداتها، ليست مشاكلاً بالنسبة لنا وإنما فرصًا. إنها فرص تتحدّانا وتدفعنا لنخلق إبداعًا رسوليًّا قادرًا على معانقة جميع الحالات الملموسة للعائلات في روما.

 

ينبغي علينا أن نصل إلى كل العائلات في أحيائنا وليس فقط إلى تلك التي تلتزم في الرعيّة. وهذا اللقاء يحثّنا لكي لا نعتبر أننا قد فقدنا أو خسرنا أحدًا ما؛ كما يحثنا أيضًا على ألا نترك أحدًا خلفنا لأننا نعتبر أنه غير قادر على القيام بما يُطلب منه.

 

وهذا الأمر يفرض علينا أن نخرج من تصريحات المبادئ والقواعد لندخل في القلب النابض للأحياء الرومانيّة، ونبدأ كعمال يدويّن بطبع حلم الله في هذا الواقع الملموس، وهذا الأمر يمكن أن يحققه فقط المؤمنون الذين لا ينغلقون على عمل الروح القدس ويلتزمون في تحقيقه بكل ما أعطي لهم. بمعنى آخر يدعونا هذا الأمر لنخلع نعلينا لنكتشف بدورنا على مثال موسى حضور الله: فالهوية لا تقوم على الفصل وإنما على الانتماء، وانتمائي للرّبّ هو الذي يعطيني هويتي.

 

 أما الصورة الثانية فهي صورة الفريسي الذي يصلّي إلى الله ويشكره لأنه ليس كباقي البشر. وحذّر الأب الأقدس من تجربة الاعتقاد بأننا ننمو في هويّتنا عندما نميّز أنفسنا عن الآخرين؛ جميعنا في الواقع نحتاج للتوبة ولأن نصرخ مع العشار: "اللهم ارحمني أنا الخاطئ". هذا الأمر يجعلنا نتحلّى بالتواضع ويجعلنا ننظر إلى العائلات بالرقة عينها التي ينظر بها الله إليها، إن التشديد على الرحمة هو الذي سيساعدنا على التحلّي بـ "واقعيّة الله".

 

ما من شيء يوازي الواقعيّة الإنجيلية التي لا تتوقف عند وصف الأوضاع والمشاكل وحسب، بل تذهب أبعد وباستطاعتها أن ترى خلف كل وجه وقصة ووضع فرصةً وإمكانيّة. إن الواقعيّة الإنجيليّة تلتزم مع الآخرين ولا تضع مثالية "ما يجب فعله" عائقًا للقاء مع الآخرين في الأوضاع التي يعيشونها.

 

 هذا الأمر لا يعني عدم الوضوح في العقيدة وإنما تفادي السقوط في الأحكام التي لا تأخذ على عاتقها الحياة بشموليّتها. إن الواقعية الإنجيلية تأخذ الأمور على عاتقها لأنها تعرف أن القمح والزؤان ينميان معًا. وتابع البابا مشيرًا إلى أنه يتفهّم جيدًا الذين يفضّلون راعوية أقصى لا تسمح بأي شك أو التباس، ولكنني أعتقد أن يسوع يريد كنيسة وإذ تعبّر بوضوح عن تعليمها الموضوعي، لا تتخلّى، في الوقت عينه، عن الخير التي يمكننها أن تقوم به، بالرغم من أنها من خلال تصرّفها هذا تخاطر بأن تلوّث نفسها بوحل الطريق، بمعنى آخر هو يريد كنيسة قادرة على الالتزام بمنطق الشفقة تجاه الضعفاء.

 

وبالعودة إلى الصورة البيبلية فذاك "أشكرك يا رب لأنني أنتمي للحركة الكاثوليكية أو لكاريتاس أو لمنظمة أخرى ولست كباقي الذين يسكنون في الحيّ السارقين والظالمين" لا يساعد العمل الراعوي أبدًا.

 

أما الصورة الأخيرة،فهي صورة النبي يوئيل الذي يتحدث عن المسنين الذين يحلمون رؤى؛ وأشار في هذا السياق إلى أنه يعرف جيدًا الصعوبات التي يواجهها الشباب ويتساءل ما هو الرّجاء الذي يملكونه إزاء هذا كله. وبالتالي عاد الأب الأقدس إلى الموضوع العزيز على قلبه ألا وهو موضوع المسنّين والشهادة التي يقدموها وقال يمكن للمسنين في الواقع أن يقدّموا شهادة لفرح اختيارهم للحب ومحافظتهم عليه طيلة حياتهم. إن تهميش المسنين، كما يفعل المجتمع غالبًا يدفعنا نحو فقدان غنى حكمتهم، وبالتالي فغياب النماذج لا يسمح للأجيال الشابة بالحصول على رؤية واضحة أو بالقيام بمشاريع لأنهم يخافون من المستقبل، ولذلك حثّ الحبر الأعظم الأزواج المسنين على إظهار حبهم الزوجي للشباب لأنّ الشهادة التي يقدّمها من كافح للحفاظ على شيء قيّم هي ثمينة جدًّا وتساعدهم على رفع نظرهم.

 

 فغالبًا ما يشعر مسنونا بأنهم مهمّشون ومُحتقرون، أمّا نحن وفي برامجنا الراعوية فيطيب لنا أن نقول "حان وقت الشجاعة"، "حانت ساعة العلمانيين"؛ "حان الوقت..." ولذلك أقول لكم حانت ساعة الأجداد والمسنين! حانت الساعة لكي يحلم المسنون ويتعلّم منهم الشباب كيف يتنبؤون أي كيف يحققون الواقع بقواهم وإبداعهم، بعملهم وأحلامهم.

 

وختم البابا فرنسيس كلمته في افتتاح مؤتمر أبرشيّة روما بالقول لنتخلَّ عن انغلاقنا وقوقعتنا ولندخل في علاقة مع الوجود الملموس للآخرين، وننمي راعوية للعائلة قادرة على الاستقبال والمرافقة والتمييز والإدماج، وتعرف قوة الحنان لكي تنمو الحياة التي أُوكِلَت لنا بحسب مخطط الله وحلمه. 

 

 

 

إذاعة الفاتيكان.