الإستعداد الدائم «متفرقات
قال يسوع المسيح: "السَّماء والأرُض تزولان، وكلامي لن يزول. فأمَّا ذلك اليومُ وتلكَ السَّاعة، فما من أحدٍ يعلّمُهما، لا ملائكةُ السَّمواتِ ولا الابنُ إلّا الآبُ وحْده". (متى 24: 35- 36).
كشف ربُّ السَّموات لإبنهِ عن كلّ من ما لا بُدَّ منهُ ليقوم برسالتهِ التبشيرّية الخلاصيَّة، ولكنّهُ لمْ يكشفَ لهُ الأزمنة والأوقات "ليسَ لكم أن تعرفوا الأزمنةَ والأوقاتَ التي حددَّها الآبُ بذاتِ سُلطانهِ" (أعمال الرسل 1: 7)، لذلك يجب على النّاس أجمعين أن يكونوا مُستعدّين دائمًا وأبدًا، لأنّهُ في "السّاعة التي لا تتوقعونها يأتي أبنُ الإنسانِ" (متى 24: 44).
وقد أعطى المسيح أمثلة يوضح فيها كيف يكون الإنسان مُستعدًّا يوم لقائِه برَّبهِ وهي: "مثل الخادم الأمين، مثل العذارى، ومثل الوزنات" (متى 24: 45-51/ 25: 1-31). قال يسوع أيضًا: "لأنَّ من الداخلِ، من قُلوب الناس، تخرُجُ الأفكارُ الشَّرَّيرةُ: الفسقُ والسرقةُ والقتلُ والزَّنى والطمعُ والخُبثُ والغشُّ والفُجورُ والحسدُ والنميمَةُ والكبرياءُ والجهلُ" (مرقس 7: 21- 23).
أمّا بولس الرّسول فقد ذكر في رسالتهِ إلى أهل غلاطية: "وأمَّا أعمالُ الجسَدِ فهي ظاهرةٌ: الزَّنى والدَّعارةُ والفجورُ وعبادةُ الأوثان والسّحرُ والعداوةُ والشقاقُ والغيرةُ والغضبُ والدَّسُّ والخصامُ والتحزبُ والحسدُ والسَّكرُ والعربدةُ" (غلاطية 5: 19-21).
قلبُ الإنسان عندما يبتعد عن الإيمان والصلاة ومحبّة المسيح، يَسوسُ الشرّ لعقلهِ ولفكره عن كمْ الخطايا التي ذُكرتْ في هذين النصّين ليسوع المسيح ولبولس الرّسول والتي تجتاحُ وتعصفُ بالإنسان من الدّاخل والخارج، وتكمْنُ في خباياه ودواخلهِ ، مُوَلّدةً الدافع والنيّةُ في قلبه لارتكابها في لحظة غضب أو لحظة أنانيّة أو أحيانًا تكون انتقامًا من واقعٍ يرفضهُ أو من شخصٍ أساء إليهِ، فيُخرِج هذه الأعمال ويُطلقها مُسبِّبة أذيّة لهُ ولغيرهِ، فيخطأ إلى نفسهِ وإلى الرّبّ.
وكما نعلم بأنّ الإنسان يُولد وفي داخلهِ الخير والشرّ، الأسود والأبيض. وهذه الأعمال والنيّاتْ جميعها مُتجذّرة في الإنسان أو يكتسبها من مُحيطهِ والمُحيطين به، ولكن بقدرتهِ وإرادته النابعّة من عُمق إيمانهِ يستطيع التحكم بها. وأغلب هذه الخطايا والنيّاتْ ليست فقط مُقتصرةً على الأعمال، بل إنّ مُعظمها كالخبثِ والغيرة والغضب والحسد والدسَّ والطمع ......الخ.
تعمل هذه النوايا في داخلنا، مُتخفيّةٌ في العقل والقلب. وجميعُها في النهاية خطايا وتجارب تُحاول إبعادنا عن الآب السّماوي، فنؤذي بها أنفسنا وغيرنا ونخجل منها وتكون عاقبتها الموت "فأيُّ ثمرٍ جنيْتُم ... من الأعمالِ التي تخجلون منها الآن، وعاقبتُها الموتُ؟" (روما 6: 21).
فمثلاً: ـــ الخُبثُ: كمْ وكم من المرّات نرى أشخاصًا يتصرفون بخُبثٍ في سبيل مصلحتهم الشخصيّة أو في سبيل إيقاع غيرهم في ورطةٍ، مُتناسين مخَافةَ الربَّ!
ـــ النَميمةُ: ألا نتكلّم كثيرًا عن فلان أو فلانة، دون أن نتأكّد من صحَّة الكلام لمُجرّد أنّنا سمعنا فقط، ألا نكونُ قد اغتلناهم كلاميًّا وألحقنا شرًّا بهم. فهذه جارةٌ تقضي ساعات طوال تتكلّم على حساب جارتها!
ـــ الطمع: لا حدَّ لهُ، عندي كلّ شيء ولكن ما زلتْ أريد المزيد والمزيد، وأجمعُ لي كنوزًا في الأرض في سبيل أن أمتلك أكثر، وهكذا نرى الكثيرين في العالم مُحتاجين إلى رغيف خبز! لأنّ هذا الآخر استحواذه لم يكن لهُ حدَّ، فحرمَ الآخرين من أن يأخذوا فرصتهم هم أيضًا.فكان طمّاعًا وأنانيًا.
هذا ما يزرعهُ الشّرّير في قلبنا وعقلنا وغيره الكثير، إنّهُ يأتي إلينا في لحظة ضعفنا ويخطفُ كلمة الله التي زرعها المسيح في داخلنا ويُبدّلُ الأبيض في داخلنا بالأسود "فيجيءُ الشَّرير وينتزعُ ما هو مزروعٌ في قلبهِ" (متى 13: 19).
بسبب ضعف إيماننا، يحثّنا على النّطق بكلمات غير لائقة ويُشجّعنا على الأذيّة والسَّرقة والقتل والعداوة وعلى الكذب والحقد والإستغلال. فالنيّات الحسنة موجودة وكذلك النيّات السيّئة، ومثلما قُلنا الإنسان يُولدُ وفي داخلهِ الخير والشرّ!
ولكن ما مدى قُدرتنا وتمسُّكنا وقوَّة إرادتنا إزاء ضعفنا كوننا بشرًا؟ هل علينا أن ننسى محّبةُ الله الكُبرى لنا وتضحيةَ يسوع من أجلنا؟ هل نفقدُ ثقتنا وإيماننا بالرَّب ونستسلم للأعمال السيّئة ولأوّل تجربة تُصادفنا؟ أم نتسلّحُ بإيماننا وبمسيحنا الفادي ونستعدّ دومًا لمُقاومة الشرِّير ومُحاربة التّجارب التي تعترض حياتنا أو الذين يكونون سببًا في خطيئتنا؟
نحن جميعاً "أسرى محبَّة المسيح، بعدما أدركْنا أنَّ واحدًا ماتَ منْ أجل جميع الناس، فجميع النّاس شاركوهُ في موتهِ" (2 كورنثوس 5: 14). فيجب ألّا نترك الخطايا توسوسُ في عقلنا وقلبنا وتُحرفنا عن طريق الرّبّ، وأن لا نكون مثل القائلين "تعالوا نأكلُ ونشربُ فغدًا نموتُ" (1 كورنثوس 15: 32). بل نقوّي إرادتنا ونعمل إرادة الله ونسير على خُطى المسيح ونكون على صورة جوهرهِ وأعمالهِ ونقتدي به في حياتنا، "مَنْ يعملُ بمشيئةِ اللهِ هو أخي وأُختي وأُمّي" (مرقس 3: 35).
مُباركٌ هو الرَّبُ الذي منحنا الحياة في هذا الوجوّد، وميّزنا من كافّة المخلوقات والدواب على الأرض، بأن منحنا النّفس التي نفخها فينا (الرّوح) وخلقنا على مثالهِ وصورتهِ.
ومنحنا عقلاً ولسانًا ننطق به وحكمة ً ومعرفة ً ومواهبَ وأعمالاً مُتنوعة ً ومُتباينة ً من شخص لآخر كلٌ حسَّب قُدرتهِ وتكاملهِ للآخر "وهذا كلّهُ يعملُهُ الرّوحُ الواحدُ نفسُهُ مُوزِّعًا مواهبهُ على كُلَّ واحدٍ كما يشاءُ" (1 كورنثوس 12: 11). وتكون ثمارهُ "المحبَّةُ والفرحُ والسَّلامُ والصَّبرُ واللُطفُ والصَّلاحُ والأمانةُ والوداعةُ والعفافُ" (غلاطية 5: 22- 23).
فلتكُن أعمالنا، أعمالاً تليق بأبينا الذي في السَّمواتِ وتُمجّدهُ في ملكوتهِ. لأنّ "الذي ما عرفَ الخطيئةَ جعلهُ اللهُ خطيئة ً من أجلنا لنصير به أبرارًا عند اللهِ" (2 كورنثوس 5: 21). وحياتنا على الأرض ما هي سوى استعدادٌ لتقبّل الحياة في السّماء إذا ثبتنا إلى النّهاية وتمسّكنا بكلّ إرادتنا بحياةِ البرِّ والإيمان والقداسةِ والسّلام والخير.
"فاسهروا، لأنّكم لا تعرفونَ أيَّ يومٍ يجيءُ ربُّكُم" (متى 24: 42)، "وعيشوا مُدّة غُربتكم في مخافتهِ" (1 بطرس 1: 17)، وردّدوا دائمًا في صلاتكم إلى الآب "لا تُدخلنا في التجربةِ ولكن نجّنا من الشرِّير .... آمين".
موقع زينيت.