إعلان قداسة لويس وزيلي مارتان «متفرقات
ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأحد القدّاس الإلهيّ في ساحة القدّيس بُطرس أعلن خلاله قداسة الأب فينشنزو غروسي والأخت ماريا للعذراء سيّدة الحبل بلا دنس والزّوجين لويس وزيلي مارتان والديّ القدّيسة تريزيا الطفل يسوع؛ وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة استهلّها بالقول تقدّم لنا القراءات البيبليّة اليوم موضوع الخدمة وتدعونا لاتّباع يسوع في درب التواضع والصّليب.
يحدّد النبيّ أشعيا (أش 53/ 10-11) صورة عبد الله ورسالة الخلاص التي يحملها. إنّه شخصيّة لا تفتخر بسلالة مرموقة؛ بل هو مرذول ومزدرى من الجميع وخبير في الألم. ورسالته تتحقـّق من خلال الألم الذي يسمح له بفهم المتألمين وحمل ثقل خطايا الآخرين والتّكفير عنها. وتظهر خصوبة تهميش عبد الربّ وألمه في أنّهما قادرَين على افتداء الكثيرين وتخليصهم.
يسوع هو عبد الربّ، وقد شكّلت حياته بكاملهما وموته سببًا لخلاصنا ولمصالحة البشريّة مع الله. يقدّم لنا اليوم إنجيل القدّيس مرقس ( مر 10 / 35-45) مشهد يسوع في حديث مع يعقوب ويوحنّا اللّذان يريدان أن يجلسا عن يمينه وشماله في ملكوت الله، متّخذين هكذا مناصب الشّرف بحسب نظرتهم الهرميّة للملكوت.
لذلك يعطي يسوع "هزّةً" أولى لقناعات التلاميذ تلك ويذكّرهم بمسيرته على هذه الأرض: "إن الكَأسَ ٱلَّتي أَشرَبُها سَوفَ تَشرَبانِها... وَأمّا ٱلجُلوسُ عَن يَميني أَو شِمالي، فليسَ لي أن أمنَحَهُ، وَإِنَّما هُوَ لِلَّذينَ أُعِدَّ لَهُم". إنّ جوابه هو دعوة لاتّباعه في درب المحبّة والخدمة ورفض التّجربة الدنيويّة في التقدّم على الآخرين والتحكّم بهم.
إنّ دعوة الرّسل، إزاء أشخاص يسعون للحصول على السّلطة والنجاح، هي التصرّف عكسهم. لذلك يحثّهم يسوع قائلاً: "تَعلَمونَ أنَّ الذينَ يُعَدّونَ رُؤَساءَ ٱلأُمَمِ يَسودونَها، وَأنَّ أَكابِرَها يَتَسَلَّطونَ عَلَيها. فليسَ الأَمرُ فيكُم كذلِك. بَل مَن أَرادَ أَن يَكونَ كبيرًا فيكُم، فليَكُن لَكُم خادِمًا"، وبهذه الكلمات يشير إلى الخدمة كونها أسلوبًا للسّلطة في الجماعة المسيحيّة. فالذي يخدم الآخرين هو الذي يمارس السّلطة حقـًّا في الكنيسة، ويسوع يدعونا لتغيير الذهنيّة والانتقال من التعطّش للسلطة إلى فرح الاختفاء والخدمة؛ ولاقتلاع غريزة التسلّط على الآخرين وممارسة فضيلة التواضع.
وبعد أن قدّم المثال الذي لا ينبغي التشبه به، قدّم يسوع نفسه مثالاً للاتّباع، ففي موقف المعلّم تجد الجماعة الدافع لمنظار جديد للحياة: "إنَّ ابنَ الإِنسانِ لم يَأتِ لِيُخدَم، بَل لِيَخدُمَ وَيَفدِيَ بِنَفسِهِ جَماعَةَ ٱلنّاس". إن ابن الإنسان وبحسب التقليد البيبليّ هو الذي ينال من الله "سلطانًا ومجدًا ومُلكًا" (دانيال 7، 14).
ويسوع يُعطي معنىً جديدًا لهذه الصّورة ويؤكّد أنّه عبد يملك سلطانًا، ومجدًا في قدرته على التنازل وإخلاء ذاته، وملكًا في استعداده وجهوزيّته لبذل حياته بالكامل. يوجد تناقض بين أسلوب فهم السّلطة بحسب المعايير الدنيويّة والخدمة المتواضعة التي يجب أن تميِّز السّلطة بحسب تعليم يسوع ومثاله. بينما نجد تتطابقـًا بين يسوع "الخبير في المُعاناة" وألمنا.
وتذكِّرنا بهذا الأمر الرسالة إلى العبرانيّين (4 / 14 -16) التي تقدّم المسيح الحَبر العظيم الذي يشاركنا طبيعتنا البشريّة في كلّ شيء ما عدا الخطيئة: "فَلَيسَ لنا حَبرٌ لا يَستَطيعُ أَن يَرثِيَ لِضُعفِنا: لَقَدِ امتُحِنَ في كُلِّ شَيءٍ مِثلَنا ما عَدا ٱلخَطيئَة". فيسوع يمارس كهنوت رحمة وشفقة. لقد اختبر صعوباتنا بشكل مباشر، ويعرف طبيعتنا البشريّة من الداخل. إنّ مجده ليس في المطامع والعطش للتسلّط، بل هو مجد محبّة البشر ومشاركتهم ضعفهم وأخذه على عاتقه، وفي تقديمه لهم النّعمة التي تشفي وفي مرافقتهم بحنانه اللامتناهي في مسيرتهم المليئة بالمحن.
كلّ منا، معمَّد، يُشارك من جهّته في كهنوت المسيح، وبالتالي يمكننا جميعًا أن ننال المحبّة المتدفّقة من قلبه المفتوح لنا وللآخرين فنصبح "قنوات" لحبّه وشفقته، لاسيّما تُجاه المتألمين والحزانى والذين يعيشون في اليأس والوحدة. وأضاف البابا يقول إنّ الذين تمّ إعلان قداستهم اليوم قد خدموا الإخوة باستمرار بتواضع ومحبّة عظيمين متشبّهين بالمعلّم الإلهيّ. لقد كان القدّيس فينشنزو غروسي كاهن رعيّة غيور متنبّه على الدوام لاحتياجات شعبه.
والقدّيسة ماريا للعذراء سيّدة الحبل بلا دنس قد عاشت بتواضع كبير الخدمة تُجاه الآخرين ولاسيّما تُجاه أبناء الفقراء والمرضى. والزّوجان القدّيسان لويس وزيلي مارتان قد عاشا الخدمة المسيحيّة في العائلة وبنيا، يومًا بعد يوم، بيئة مليئة بالإيمان والمحبّة؛ وفي هذا المناخ نبتت دعوات بناتهما ومن بينهنَّ القدّيسة تريزيا الطفل يسوع.
لتحثنا شهادة هؤلاء القدّيسين الجُدد المنيرة على المثابرة في درب خدمة الإخوة الفرحة واثقين بمساعدة الله وحماية مريم العذراء الوالديّة. وليسهروا علينا من السّماء وليعضدونا بشفاعتهم القديرة.
إذاعة الفاتيكان.