أين أنت يا رب؟ «متفرقات
المُشرّد الذي مات من البرد في روما، راهبات الأمّ تريزا اللواتي قُتلن في اليمن والأشخاص الذين يمرضون في جنوب إيطاليا؛ حول المآسي التي نعيشها في هذه الأزمنة الأخيرة توقف قداسة البابا فرنسيس في عظته صباح اليوم الإثنين في القداس الإلهيّ الذي ترأسه في كابلة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان، وقال:
أمام أودية زمننا المظلمة هذه يأتي الجواب الوحيد: الاتّكال على الله، حتى عندما لا نفهم ماذا يحصل، تمامًا كما أمام مرضٍ نادرٍ لطفل ما؛ وبالتالي لِنكِلْ أنفسنا إلى يديّ الرّبّ الذي لا يترك شعبه أبدًا.
سوسنة امرأة صالحة، لكن رغبة الشّيخين الدّنيئة قد لطّخت سمعتها، ففضّلت أن تكِلَ نفسها إلى الله واختارت الموت بريئة على أن تنصاع لرغبة هذين الرّجلين. استهلّ البابا فرنسيس عظته انطلاقـًا من سفر النبيّ دانيال (13/ 1-65) ليشدّد في تأمله الصباحيّ على أنّه حتّى وعندما نجد أنفسنا سائرين في وادٍ مظلم لا ينبغي علينا أن نخاف.
تابع الحبر الأعظم يقول: الرّبّ يسير معنا على الدّوام، هو يحبّنا ولا يتركنا، وفي هذا الإطار وجّه البابا نظره إلى العديد من أودية زماننا المُظلمة وقال عندما نرى العديد من المآسي والعديد من الناس الذين يموتون من الجوع والحرب والعديد من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصّة... إنّهم كثيرين الآن، وعندما تسأل والديهم: "ما هو المرض الذي يعاني منه ابنكم؟" يكون الجواب: "لا أحد يعرف، إنّه مرض نادر". إنّه المرض الذي نسبّبه بأنفسنا: لنفكّر في الأورام الخبيثة في جنوب إيطاليا. وعندما ترى هذه الأمور كلّها تتساءل: "ولكن أين أنت يا ربّ؟ هل أنت تسير معي؟" لقد كان هذا أيضًا شعور سوسنة؛ وهذا هو شعورنا أيضًا. ترى تلك الرّاهبات الأربعة اللواتي قتلن؛ ولكن كُنَّ يخدمنَ بمحبّة وانتهينَ ضحايا للحقد! وترى الأبواب تغلق في وجه اللاجئين فيبقون خارجًا في الهواء والبرد... وتتساءل: "ولكن أين أنت يا ربّ؟"
"كيف يمكنني أن أتّكل عليك يا ربّ إذا كنتُ أرى هذه الأمور؟" وعندما تحصل هذه الأمور لي، يُمكن لكلٍّ منّا أن يطرح السّؤال عينه: "كيف يمكنني أن أتّكل عليك؟" هذا السّؤال فقط لا يوجد له جواب، ولا يمكن شرحه. لماذا يتألّم الأطفال؟ لا أعرف إنّه سرّ.
ولكن يمكن أن تمنح بعض النّور لأرواحنا خبرة يسوع في بستان الزّيتون: "يا أبتِ أبعد عنّي هذه الكأس ولكن لتكن مشيئتك لا مشيئتي". اتّكل يسوع على مشيئة الآب عالمًا أنّ كلّ شيء لا ينتهي مع الموت، ولذلك كانت كلماته الأخيرة على الصّليب: "يا أبتِ بين يديك أكل روحي". إنّ الاتّكال على الله الذي يسير معي، يسير مع شعبه ومع الكنيسة هو فعل إيمان: "لا أعرف لماذا يحصل هذا الأمر ولكنّني أؤمن وأتّكل على الرَّبّ، وسأفهم السبّب فيما بعد".
هذا هو التّعليم الذي يريد يسوع أن يتركه لنا: من يتكّل على الرّبّ الذي هو راع لا يعوزه شيء، حتّى وإن سار في وادٍ مظلم فهو يعرف أنّ الشرّ هو مرحليّ فقط ولن يكون نهائيًّا أبدًا لأنّ الرّبّ حاضر وهو معنا، وعصاه وعكّازه هما يعزيّاننا. هذه نعمة ينبغي علينا أن نطلبها من الرّبّ: "علّمني يا ربّ أن أكل نفسي بين يديك وأكل نفسي لإرشاداتك حتّى في الأوقات السّيئة والمُظلمة".
سيساعدنا اليوم أن نفكّر بحياتنا والمشاكل التي نواجهها ونطلب نعمة الإستسلام بين يديّ الله. لنفكّر أيضًا بالعديد من الأشخاص الذين يموتون بدون لمسة حنان أخيرة. منذ ثلاثة أيّام توفي مشرّد هنا على الطريق بسبب البرد، في وسط روما، مدينة مليئة بإمكانيّات المساعدة، لكن لماذا يا ربّ؟ بدون لمسة حنان أخيرة... لكنّني أتّكل عليك لأنّك لا تخذلني. وهذه صلاة جميلة يمكننا أن نتلوها: "يا ربّ أن لا أفهمك ولكن وعلى الرّغم من هذا أكِل نفسي بين يديك".
إذاعة الفاتيكان.