آخر كلمات يسوع على الصليب (2) «متفرقات
أوّل كلمة قالها المسيح على الصليب حسب المفسرين كانت "يا أبتِ إغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ما يفعلون"، والتي كانت موجهة للآب من أجل كل انسان، مغفرة ممنوحة لكل البشر. مغفرة معطاة لمن يتقبلها ليتنعم بها. أمّا الكلمة الثانية فهي: "ستكون معي اليوم في الفردوس" (لو 23: 43).
هذه الكلمة بالعكس موجّهة لشخص محدد، لشخص حسب الأناجيل هو لص ومجرم. لا نعلم ماذا كانت جريمته؟ سارق، أم قاتل؟ لا نعلم. ما نعلمه أنه نال عقابًا عادلًا لما فعله على حسب قوله هو للص الآخر:"إننا نلقى ما تستوجبه أعمالنا" (لو 23: 41). لا نعلم أيضًا إذا كان قد سمع المسيح من قبل، قابله أم لا. ما نعلمه شيء واحد فقط. إنّ هذا اللص كان على أتم اقتناع أنّ ما يلاقيه الآن من عقاب ومن حالة ألم وعذاب ما هي إلاّ نتيجة لأفعاله الشخصية. لا يرمي الذنب على الرومان، لا يلعن اليهود، لا يذكر أحدًا... يقول إنّ ما أتلقاه أستحقه، لا يلوم أحدًا، ولا يرمي بذنوبه على أحدٍ، أي في العمق لا يدين أحدًا. وبالتالي لا يدين الله.
الإنسان عندما يتذمر على واقعه ويتمرّد على الأشخاص وينسب إليهم سبب الآمه، في العمق يتمرّد على الله وليس على الأشخاص. شعب الله في الصحراء عندما تذمّر على موسى وهارون، يقول لهم موسى: "إنه ليس علينا تذمركم، بل على الرّبّ" (خر 16: 8). وعندما رفض الشعب صموئيل وطلب منه ملكًا ليحكمه، يقول الرب لصموئيل النبي: "إنهم لم ينبذوك أنتَ، بل نبَذوني أنا" (1صم 8: 7) التذمّر ضد الأحداث وضد الآخرين ما هو إلاّ في العمق تذمر على الله، ورفضُ لله.
هذا اللص لا يدين أحدًا، فلا يدين الله، أي لديه مخافة الرّبّ. فهو يقول للّص الآخر: "أما تخاف الله" (لو 23: 40). أي ألم تفهم حتى الآن أنّك مذنب وتستحقّ ما أنت فيه، أما زلت تُهاجم غيرك؟ ويستمرّ بالقول أمّا هو، ويقصد المسيح، فبريء لم ينتج أبداً السّوء، لم يفعل الشرّ، ما فعله كان حسنًا دائمًا.
هذا اللصّ بالفعل لديه مخافة الرّبّ، فهو لا يدين أحدًا. بالأحرى يعترف أنّ المسيح لم يفعل أبدًا الشرّ ويطلب منه أن يذكره في ملكوته، أي الحياة الأبدية. لا يطلب خلاصًا من حالته، لماذا؟ لا يطلب أن يخفف آلآمه الآن، لماذا لا؟ لأنه تقابل مع شيء أهمّ، عرف أنّه قادر أن يحصل على شيء أكبر وأهمّ: المغفرة لما فعل، حياة أبديّة، ملكوتًا سماويًّا، فيطلب ذلك.
هذا اللصّ بالفعل سارق ماهر، يعرف أن يُميّز في وقت قصير ما هو أهمّ الأشياء وأغلاها التي يجب أن يأخذها وسط أشياء كثيرة، يختار الأغلى، الأهمّ، الأكثر قيمة: المغفرة والحياة الأبديّة.
قد يكون سمع كلمة المسيح الأولى: "يا أبتِ إغفر لهم، لأنّهم لا يعلمون ما يفعلون". وها هو يطلب هنا أن يحصل على تلك المغفرة أن يتنعم بها. فيسمع المسيح يقول له: "ستكون معي اليوم في الفردوس".
وبعدها لا يصمت المسيح، بل يقول كلمة ثالثة، شيء آخر مهم... وإلى صباحِ يومٍ ثانٍ.
إذاعة الفاتيكان - 2010.