16 أيلول تذكار الشهيد قبريانوس أسقف قرطاجه «على درب القداسة
ولد قبريانوس نحو سنة 210 في مدينة قرطاجه من أسرة وثنيّة غنيّة. وقد تثقّف ثقافة عالية حتّى أضحى فيلسوفًا كبيرًا وخطّيبًا فصيحًا، له مكانته عند الوجهاء والعظماء. وبسمت له الدّنيا، فعاش في بادئ الأمر عيشة وثنيّة يُطلق العنان لأميال الجسد وشهواته فتزوج ورزق بنين وأصبح يعلّل النفس بأمجاد الدّنيا وأباطيلها. لكنّ الله أراده لخدمته.
فهداه إلى الإيمان بالمسيح على يد الكاهن سيسيليوس. فاعتمد هو وعيلته. ولساعته سلّم قبريانوس زوجته وأولاده لعناية مرشده سيسيليوس الكاهن تاركًا لهم ما يكفيهم من الأرزاق، وباع الباقي ووزّع ثمنه على الفقراء وأضحى بكليّته للرّب يسوع. فانكبّ على مطالعة الكتاب المُقدس وتآليف الآباء القدّيسين يُمعن فيها ويغذّي عقله الرّاجح وقلبه الكبير من لبابها. ووضع كتاباً في بطلان عبادة الوثنيّة.
رسمه أسقف قرطاجة كاهناً. فأخذ يعلّم ويُرشد بمواعظه وتآليفه وأمثلته الصّالحة. وفي سنة 248 مات الأسقف، فاختاره الشّعب خلفـًا له. فكان أبًا شفوقاً على الشّعب وراعيًا غيورًا على رعيّته مُحسنًا سخيًّا على البائسين ومحاميًا جريئًا عن الدّين وعن خِراف رعيّته.
ولمّا تجدّد الاضطهاد على المسيحيّين بأمر داكيوس قيصر، بذل قبريانوس قصارى الجهد في سبيل ثباتهم في الإيمان.
ولمّا مات داكيوس الملك، هدأ الاضطهاد ورجع قبريانوس إلى كرسيه وخلّص كثيرين من الأسر وقام بزيارة المرضى والمُصابين بداء الطاعون يوآسيهم ويعزيهم. ثمّ عاد الاضطهاد بأمر والريانوس الظّالم فنفى القدّيس من المدينة فسكن مع اكليرسه بستانًا مجاورًا وأبى أن يبتعد عن رعيّته قائلاً: "أن أموت شهيدًا بينكم ضمانة لحفظ إيمانكم".
وبقي مُثابرًا على جهاده وعلى أعمال غيرته، حتى شكاه الوثنيون وقادوه إلى الوالي. فحكم عليه بقطع الرأس خارج المدينة. وكان استشهاده عام 258.
وقد ترك للكنيسة تآليف عديدة قيّمة في اللّاهوت والآداب ورسائل بديعة قد أُعجب بها الآباء والفلاسفة وخاصّة القدّيس أغوسطينوس. لذلك تلقّبه الكنيسة بمعلّمها وملفانها العظيم. ومن كلامه المأثور: "لا يكون الله أبًا لمن لا تكون له الكنيسة أمًّا". صلاته معنا. آمين!