هَلّا نُفَتِّشُ عَنِ الله ؟ «القوت اليومي

 نُفَتِّشُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ ما خلا الله ! يَقولون : ماتَ الله، فلا حاجَة بِنا إلى الاهْتِمامِ بِهِ ! لا، فاللهُ لَمْ يَمُتْ ! بَلْ هُوَ في نَظَرِ الكَثيرِ مِنْ أبْناءِ العَصْرِ ضائِع : أفلا يَسْتَحِقُّ أنْ نُفَتِّشَ عَنْهُ ؟

نُفَتِّشُ عَنْ كُلِّ شَيْء، عَنِ الجَديدِ والقديم، عَنِ الصَّعْبِ والتَّافِه، عَنِ الصًّالِحِ والخَبيث، حتّى لَتَقول : إنَّ التَفْتيشَ هُوَ ميزَةُ عَصْرِنا !

وَلِمَ لا نُفَتِّشُ عَنِ الله ؟ أليسَ اللهُ قيمَةً تَسْتَحِقُّ أنْ نُفَتِّشَ عَنها ؟ أليْسَ اللهُ حَقيقةً تَتَطلَّبُ مَعْرِفَةً أفضَلَ مِنْ تِلكَ المَعْرِفَةِ الاسْمِيَّةِ الدارِجَةِ على ألسِنَةِ النّاس ؟

مَعْرِفَةً أفضلَ مِنْ بَعْضِ المُمارسات الدِينيَّةِ المَبْنِيَّةِ على الخَرافَةِ والغَرابَة، والتي يَجِبُ أنْ نَنْبُذَها لأنَّها خاطِئَة، أوْ أنْ نُنَقِيَّها لأنَّها ناقِصَة ؟ مَعْرِفةً أفضَلَ مِنْ تِلْكَ التي تَعْتَدُّ بِأنَّها كامِلَة، فَتَتَناسى أنَّ اللهَ سِرٌّ لا يُدْرَك، وأنَّ مَعْرِفَتَهُ قضِيَّةُ حَياة، حَياةٍ أبَدِيَّة ؟

أليسَ الله، كما يَقولون، قضِيَّةً تَمَسُّنا في الصَميم ؟ جَديرَةً بأنْ تُحَرِّكَ تَفْكيرَنا وَضَميرَنا وَمَصيرَنا، ولا شَكّ، يَوماً ما، لِقاءَنا الأبَدِيَّ والشَّخْصِيَّ لله ؟

أفلا يَكونُ اللهُ قدْ أخْفى ذاتَهُ لِيَحُثَّنا على التَفتيشِ عَنهُ بِجَهْدٍ وَشَغَف، وَذلِكَ بالنِسْبَةِ إلينا أمْرٌ مَقْضِيٌّ حاسِم ؟

وماذا لَوْ كانَ اللهُ نَفْسُهُ هُوَ المُفَتِّشُ عَنّا ؟


البابا بولسَ السَّادِس (+1978)