نِعَمُ العِمادِ الثلاث «القوت اليومي
لا يَظنـَّنَّ أحدٌ أنَّ العِمادَ ليسَ إلّا نعمَة َ مغفرَةِ الخطايا والتـَّبني الإلهيّ، كَعِمادِ يوحنّا الذي كان يَمنَحُ مغفِرة الخطايا. أمَّا نحنُ الذين تَعلّمنا بِدِقـَّة، فنعلمُ أنَّ العِماد، وإنْ كان لِتَطهير الخطايا والمُشارَكةِ في مَوهِبَةِ الرّوحِ القُدُس، إنّما هُوَ أيضاً صورةٌ لآلامِ المَسيح فينا.
لذلك أعْلـَـنَ القدّيس بولس: أوَ تَجهَلون أنّا، وقدِ اعتَمَدنا في يسوع َ المسيح، إنّما اعتَمَدنا في موتِه، فدُفِنَّا معهُ في المَعموديَّةِ لِنَموتَ فنحيا. وهذا ما كان يَقولـُهُ بولسُ لِلذين كانوا يُؤكّدون أنَّ العِمادَ يَمنَحُ مَغفِرَة َ الخطايا والتـَّبني، ولكِنّهُ لا يُشرِكُنا في آلامِ المَسيحِ الحقيقيَّة.
يجبُ أنْ نتعلّمَ أنَّ كُلَّ ما قاساهُ المَسيحُ مِنْ عذاب، هُوَ مِنْ أجلِنا ولأجلِ خلاصِنا. وقد تَعَذ َّبَ فِعلا ً لا مَظهرا، ولكي نُشارِكهُ في آلامِه. ولذلك يُعلِنُ بولسُ بِكُلِّ وُضوح: لأنَّنا إذا كُنّا غُرِسنا معهُ على شِبهِ مَوته، فنكون ُ على شبهِ قيامَتِه أيضاً. وحَسناً قال: قدْ غُرسنا معهُ.
فبما أنَّ الكرمَة الحقيقيّة غُرِسَتْ هُنا، فنحنُ أيضاً، إذ ْ نشتَرِكُ بِمَعموديَّةِ مَوتِه، نُصبِحُ وإيّاهُ غرسَة ً واحِدة. وأرجو منك َ أنْ تنتبِهَ لِكلماتِ الرَسول: إنّهُ لا يَقول: إذا كُنّا غُرِسْنا معهُ في موته، بلْ: على شِبهِ موتِه. لأنَّ المَسيحَ ماتَ فعلا، ونفسُهُ انفصَلَتْ عَنْ جَسَدِهِ فعلا، ودَفنُهُ كان حقيقة ً واقِعيَّة ً إذ لـُفَّ جَسَدُهُ بِكَتـَّانٍ نقيّ، وكانتْ قصَّتُهُ كُلّها واقِعيَّة. أمَّا بالنظرِ إلينا، فالحالة تختلف: فكان موتُنا شِبْهَ مَوتِهِ وآلامُنا شِبْهَ آلامِه. فأمَّا خلاصُنا، فلمْ يَكُنْ شِبْهَ خلاص، بلْ خلاصاً حقيقيّاً.
القدّيس كيرلـُّس الأورشليمي (+387).