مُداوَمَةُ الصَّلاة «القوت اليومي
لا تَطْلُبْ بادِئَ بَدْءٍ أنْ تُصَلّيَ بِلا تَشَتُّت، فتَتَوَقَّفَ عَنِ الصَّلاة، رَيْثَما تَصْفو أفْكارُكَ. بَلْ داوِمِ الصَّلاة، وَبِالمُداوَمَةِ وَحَمْلِ النَّفْسِ على الصَّلاة، تَصْفو أفكارُكَ مِمَّا يُعَكِّرُها وَيُشَوِّشُها.
إذا عَزَمْتَ ألَّا تَصَلّيَ حتَّى تُبايِنَكَ الأفْكار، فلَنْ تُصَلّي ! لِأنَّ الأفْكارَ تَنْهارُ وَتَتَلاشى بِإدْمانِ الصَّلاةِ نَفْسِها. مَنْ يَطْلُبِ الكمالَ قبْلَ العَمَلِ والتَّعَبِ لا يَنَلْ شَيْئاً.
لا يَطلُبُ اللهُ مِنَ الإنْسانِ ألَّا يَمُرَّ في نَفْسِهِ أفْكار، مَتَى صَلَّى، بَلْ ألّا يَلْتَفِتَ إليْها أو يَلتَذَّها. فلا تَطْمَع، يا أخي، ألَّا يَتَشَتَّتَ فِكْرُكَ أبَداً، بَلْ حَوِّلْهُ مِنْ شِرِّيرٍ الى طَيِّبٍ خَيِّر. فإذا انْشَغَلَ فِكْرُكَ في أُمورِ الله، فتِلكَ أعْلى دَرَجَةٍ مِنَ الصَّلاة. أمَّا أنْ يَدومَ لِلفكرِ الاسْتغراقُ في الله، فلا بُدَّ مِنَ المُواظَبَةِ على الصَّلاة.
ألله لا يُهْمِلُنا لِأجْلِ أفْكارِنا الرَّديئةِ وَتَشَتُّتِنا، إلَّا إذا انْقدْنا لَها. لأنِّ الحَرَكَةَ الفِكْريَّةَ الفالِتَةَ مِنْ قبْضَةِ الإرادَة، لا نُحاسَبُ عليها، حتَّى ولو مالَ إليها الفِكْرُ بَعْضاً مِنْ وَقْت، وَعادَ نَدِمَ على غَفْلَتِهِ لا يُعاقب. أمَّا إذا قبِلَها العَقلُ وَتَمادى وَلَمْ يَكُفَّ فَيُحاسَبُ ويُدان.
طوبى لِمَن كانَ حاضِرَ الذّهْنِ حينَ يُصَلّي أو يَخْدُم !
طوبى لِمَن دَرَّبَ ذِهْنَهُ على الهَذ ِّ في الكُتُبِ وَتَأمُّلِها وَتَفَهُّمِها !
مارِ إسْحقَ السُّريانيّ (أواخر القرن السابع)