مَجَّانِيَّة ُ الله «القوت اليومي
مَجَّانِيَّة ُ الله
رَبُّنا كَثّرَ الخُبْزَ في الصَّحْراء، وَحَوَّلَ الماءَ خَمْراً في قانا، مُؤهِّبًا بذلِكَ أفواهَهُم لِطَعْم خُبْزِهِ وَخَمْرِهِ، بانْتِظارِ الوَقْتِ الذي يُعْطيهِم فيهِ جَسَدَهُ ودَمَهُ. أذاقهُم خُبْزاً وَخَمْراً عابِرَين، ليُحَرِّكَ فيهِم الشَّوقَ إلى جَسَدِهِ ودَمِهِ المُحْيِيَيْنِ.
أعْطاهُمْ هذهِ الأشْياءَ الصَّغيرَة مَجَّاناً، لِيَفْهَمُوا مَجَّانِيَّة عَطِيَّتِهِ الكُبْرَى. مَجَّاناً أعطاهُم، على مُكْنَتِهِمْ شِراؤها مِنْهُ، ليُدْرِكوا أنَّهُ لا يُكَلّفُهُم أنْ يَدْفَعوا ثمَنَ هذهِ الأشْياءِ الضَّئيلة، فإنَّهم ولو أمْكَنَهُم أنْ يَدْفعوا ثمَنَ الخُبْزِ والخَمْر، لنْ يُمْكِنَهُم أنْ يَدْفعوا ثمَنَ جَسَدِهِ وَدَمِهِ.
إنَّهُ لَمْ يَغْمُرْنا بِعَطاياهُ المَجَّانيَّةِ وَحَسْب، بل دَلَّلنا بِعَطْفٍ، وَقدْ أعْطانا الأشْياءَ الصَّغيرَة َ مَجَّاناً، لكي يَشُدَّنا إليه، فنُقْبِلُ وَنَقْبَلُ مَجَّاناً الشَّيءَ العَظيمَ جِدّاً، الإفْخارِسْتِيَّا. فهذِهِ النُّتَفُ مِنَ الخُبْزِ والخَمْرِ التي أعطانا، كانتْ لذيذَة َ الطّعْم ِ في الفَم، إنَّما عَطِيَّة جَسَدِهِ ودَمِهِ كانَتْ ناعِشَة لِلرُّوح.
لقدْ شَوَّقنا بِهذِهِ الأشْياءِ الحُلْوَةِ المَذاق ِ لِيَقودَنا إلى ما يُحْيِي النَّفْس. خَبَأ لَذّة ً في الخَمْرِ الذي صَنَعَهُ، لِيَدُلَّ المَدْعُوّينَ على الكَنْزِ العَظيمِ المَخْبوءِ في دمِهِ المُحْيي.
(الدِيَتِسَّرُون، 12/ 1)
مارِ أفرامَ السُّريانيّ (+373)