مقابلة بين الرّوح الإلهيّ... «القوت اليومي
يجب أن يكون للكلمة روحٌ،
فإن كلمتنا أيضاً لا تخلو من الرّوح.
لكنّ الروح عندنا غريب عن جوهرنا.
فهو جَذْبُ الهواء وردُّه،
استنشاقه وتبديده، لأجل قيام الجسد.
وهو نفسه يصير صوتاً في أثناء التكلّم،
فيُظهر في ذاته قوّةَ الكلمة.
وينبغي الإعتراف إعترافاً تقيَّاٌ بوجودِ روح الله،
أيضاً في طبيعته الإلهيّة البسيطة وغير المركّبة،
لئلا يبدو الكلمة أنقص من كلمتنا.
وليس من التّقوى أن نقول بأنّ الرّوح شيء غريب عن الله،
ومستورَد إليه من خارج،
شأنه شأن روحنا نحن المركَّبين.
لكن كما نفهم أنّه ليس بلا أقنوم،
ولا حاصلاً من تعليم،
ولا محمولاً بصوت خارجيّ ولا مبدَّداً في الهواء، ولا منحل،
بل نفهمه قائماً في جوهره،
حرّاً وفاعلاً وقدير،
كذلك وأنّ روح الله هو الملازم للكلمة والمُظهر فُعلَه،
فإنّنا نرفض الإعتقاد أن يكون نسمةً عابرة،
لأنّنا بذلك نحطّ من شأن الطبيعة الإلهيّة،
إذا انحدرنا بالتفكير إلى أنّ الرّوح الذي فيها هو على مثال روحنا.
لكنّنا نعتقد أنّه قوة جوهريّة،
مرئيّة هي نفسها في أقنومها الخاصّ به،
منبثقة من الآب، مستريحة في الكلمة.
ولأنّها تُظهره فهي لا تبتعد عن الله الذي هي فيه،
ولا عن الكلمة لأنها تُلازمه.
وهي مقتدرة، فلا تؤول إلى الزّوال.
أمّا الرّوح، على مثال الكلمة،
فهو كائنٌ في أقنوم، حيّ، حرٌّ،
متحرّكٌ بذاته، فاعلٌ بذاته، مُريدٌ دوماً الصّلاح،
قوته طوع إرادته، فهو لا بداية له ولا نهاية.
فالكلمة لا يغرُبُ قطّ عن الآب، ولا الرّوح عن الكلمة.
وعلى هذا النّحو، فبالوحدة في الطبيعة الإلهيّة يزول ضلالُ كثرة الآلهة،
وبالاعتقاد بالكلمة والرّوح يزول رأيُ اليهود.
ويبقى ما هو مفيدٌ من كلّ المعتقدين:
فمن الفكرة اليهوديّة وحدة الطبيعة،
ومن الفكرة الإغريقيّة التمييزُ بين الأقانيم وحده.
القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ