لنذهب إلى هناك، إلى بيت لحم! «القوت اليومي
نتأثر دائما ومجددا أمام واقع الله الذي صار طفلا، لنستطيع ونتجرأ أن نحبه، وكطفل صغير يضع نفسه بثقة بين أيدينا. أتأثر دائما من عبارة الإنجيلي: "لأنه لم يكن لهما موضعٌ في المضافة". قد نتساءل بلا شك كيف كانت ستجري الأمور لو أن مريم ويوسف طرقا بابي؟ هل كانا سيجدان مكانا لهما؟ هل يجد الله فعلا مكانا له عندما يحاول الدخول عندنا؟ نحن ممتلئون بذواتنا مما لا يترك أي فسحة لله، ولذلك فما من فسحة أيضا للأطفال والفقراء والغرباء. انطلاقاً من هذه العبارة البسيطة يمكننا أن نفهم مدى ضرورة دعوة القديس بولس لنا: "تبدّلوا بتجدُّدِ عقولِكم" (روم 12،2). لنرفع الصلاة إلى الرب لكي نصبح متنبّهين لحضوره ولكي نسمعه كيف يقرع بلا توقف على باب كياننا.
أود أن أتأمل معكم حول عبارة ثانية من نص الميلاد: نشيد التسبيح الذي ردده الملائكة: "المجد لله في العلى والسلام في الأرض للناس أهل رضاه" (لو 2، 14). فمجد الله في أعلى السماوات مرتبط بالسلام على الأرض بين البشر، فحيث لا يُسبح الله ويُرفض لا وجود للسلام. إذا انطفئ نور الله، انطفأت أيضا كرامة الإنسان الإلهية، وتُفقد عندها صورة الله التي يجب أن نكرمها في كل إنسان، في الضعيف والغريب والفقير، أما إذا أشع نور الله على الإنسان وفي داخله عندها فقط لا يمكن لأحد أن ينتهك كرامته.
في هذه الليلة المقدسة، صار الله إنسانا كما أعلن النبي أشعيا: الطفل المولود يدعى "عمانوئيل" أي الله معنا. المسيح هو سلامنا وبشر بالسلام البعيدين والقريبين. فكيف لا نرفع له الصلاة في هذا الوقت: نعم يا رب، بشرنا اليوم نحن أيضا بالسلام. أنر الأشخاص الذين يمارسون العنف باسمك، كي يفهموا عبثيّة العنف ويتعرفوا إلى وجهك الحقيقي. ساعدنا لنصبح من "أهل رضاك"، على صورتك ومثالك، أهل سلام.
تدعونا الليتورجية اليوم قائلةً: "لنذهب إلى هناك، إلى بيت لحم"، لنخرج من أفكارنا المعتادة ومن حياتنا، لنتخطى العالم المادي لنصل إلى الأساسي، إلى هناك، نحو الله الذي أتى إلى هنا، نحونا. ولنرفع الصلاة إلى الرب لكي يعطينا القدرة على تخطي حدودنا وعالمنا، ولكي يساعدنا على لقائه ولا سيّما عندما يضع نفسه بين أيدينا وقلوبنا من خلال سرّ الافخارستيا.
"لنذهب إلى هناك، إلى بيت لحم". لنصلِّ في هذا الوقت من أجل الأشخاص الذين يعيشون هناك ويتألمون. لنصل كي يحل السلام هناك. لنصل كي يتمكن الإسرائيليون والفلسطينيون من تطوير حياتهم بسلام الرب الواحد وبالحريّة. لنصل أيضا من أجل البلدان المجاورة: للبنان وسوريا والعراق كي يحل السلام هناك، فيتمكن مسيحيو هذه البلدان، حيث نشأ إيماننا، من العيش في أرضهم، ويبنون مع المسلمين بلدانهم في سلام الله.
أسرع الرعاة في الذهاب، يدفعهم الفضول والفرح، لنصلّ كي يلمسنا نحن أيضا في هذا الوقت فضول وفرح الرعاة ونذهب بفرح إلى هناك، إلى بيت لحم نحو الرب الذي يأتي اليوم أيضا ومجددا نحونا.
البابا بنديكتس السادس عشر
عظة قدّاس الميلاد 2012