قمْعُ الحُروبِ وَوَحْشِيَّتِها «القوت اليومي
بالرُّغْمِ مِنْ أنَّ الحُروبَ الأخيرةَ جَلَبَتْ لِعالَمِنا وَيْلاتٍ هائِلةً في الحَقْلينِ المادِيِّ والأخْلاقي، فإنَّ الحَرْبَ لا تَزالُ تَجْتاحُ كُلَّ يَومٍ بَعْضَ مَناطِقِ هذِهِ الأرْض. أضِفْ إلى ذلكَ، أنَّ وَحْشيَّتَها تُهدِّدُ بِدَفْعِ المُتَقاتِلينَ إلى قساوَةٍ شَرٍّ مِنْ قساوَةِ الماضي، بِما أنَّهُ يَتِمُّ اسْتِعْمالُ أسْلِحَةٍ عِلْمِيَّةٍ مُخْتَلِفَةِ الأنْواعِ لِلقيامِ بِها.
وَعَلاوَةً عليه، إنَّ تَعَقُّدَ الوَضْعِ الراهِنِ وَتَشابُكَ العَلاقاتِ الدُوَليَّة، يَسْمَحانِ أنْ تَطولَ الحُروبُ البارِدَة، بِواسِطَةِ الأساليبِ الحَديثةِ الخَدَّاعَةِ والهَدَّامَة. وفي حالاتٍ كثيرَة، يُعْتَبَرُ اللُجوءُ إلى وَسائِلِ الإرْهابِ كَشَكْلٍ جَديدٍ لِلحَرْب.
فالمَجْمَعُ يَتَوَخَّى قبْلَ كُلِّ شَيء، عِنْدَما يَتَأمَّلُ في حالَةِ البَشَرِيَّةِ هذِهِ التي يُرْثى لها، أنْ يُعيدَ إلى الأذهانِ قُوَّةَ حُقوقِ الإنْسانِ الطَبيعِيَّةِ وَمَبادِئِها الشَّامِلَةِ الثَّابِتَة. وإنَّ ضَميرَ الجِنْسِ البَشَرِيّ، لَيُعْلِنُ هذِهِ المَبادِئ بِصورَةٍ أكيدَةٍ وَبِصَلابَةٍ مُتَزايِدَة.
فالأعْمالُ الّتي تُناقِضُ هذِهِ الحُقوقَ والمَبادِئ مُناقضَةً صَريحَة، لَهِيَ أعْمالٌ إجْرامِيَّة، وَكَذا القوْلُ عَنِ الأوامِرِ التي تَفْرِضُها ؛ وَما الطَّاعَةُ العَمياءُ بِكافِيَةٍ لِتُبَرِّرَ أُولئِكَ الَّذينَ يَسْتَسْلِمونَ لِهذِهِ الأوامِر. وَمِنْ تِلكَ الأعْمال، يَجِبُ أنْ نَعُدَّ في بادِئِ الأمر، تلكَ الّتي تُبيدُ شَعْباَ بِأجْمَعِه، أوْ أُمَّةً أوْ أقلِّيَّةً عُنْصُرِيَّة، لِأيِّ سَبَبٍ أوْ بِأيَّةِ وَسيلَةٍ كانَت.
فهذِهِ الأعِمالُ يَجِبُ أنْ تَكونَ مُحَرَّمَةً بِأقْصى حُدودِ القُوَّة، لِأنَّها أعْمالٌ إجْرامِيَّةٌ رَهيبَة. وهلْ نَفي بِمَدْحِ شَجاعَةِ أُولئِكَ الَّذينَ لا يَخافونَ أبَدا، مِنْ أنْ يُقاوِموا عَلَناً مَنْ يَأمُرونَ بِفَواحِشَ مِنْ هذا النَّوع؟
(دستور راعوي حول الكنيسة في عالم اليوم، 79)
مِنْ وَثائِقِ المَجْمَعِ المَسْكونيِّ الفاتيكانيِّ الثَّاني