في طريقِ الصَّليبِ المُقَدَّسِ المَلَكِيَّة «القوت اليومي
في طريقِ الصَّليبِ المُقَدَّسِ المَلَكِيَّة
ها في الصَّليبِ قِوامُ كُلِّ شَيْء، وَفي المَوْتِ أساسُ كُلِّ شَيْء، وَليْسَ مِنْ طَريقٍ آخَرَ إلى الحَياةِ والسَّلامِ الدَّاخِليِّ الحَقّ، سِوى طَريقِ الصَّليبِ المُقدَّس، والإماتَةِ اليَومِيَّة.
إذهَبْ حَيثُما شِئْتَ، واطلُبْ كُلَّ ما أرَدْت، فإنَّكَ لنْ تَجِدَ في العُلُوِّ طَريقاً أسْمى، ولا في الإنْخِفاضِ طَريقاً آمَنَ مِنْ طريقِ الصَّليبِ المُقدَّس.
دَبِّرْ وَرَتِّبْ كُلَّ شَيْءٍ وَفْقَ إرادَتِكَ وَرأيِكَ، وَلَكِنَّكَ لنْ تَجِدَ أبَداً شَيئاً آخَرَ سِوى أنَّهُ لا بُدَّ لكَ مِنَ التَّألُّمِ في شَيْءٍ ما، شِئْتَ أمْ أبيْت. وهكذا سَتَجِدُ الصَّليبَ على الدَّوام. فإمَّا أنْ تَشْعُرَ بالأوجاعِ في جَسَدِكَ، وإمَّا أنْ تُعانيَ ضيقَ الرُّوحِ في نَفْسِكَ.
تارَةً يَخْذُلُكَ الله، وَطَوراً يُزْعِجُكَ القريب ؛ وما هُوَ أعْظَمُ مِنْ كِليهِما، أنَّكَ كثيراً ما تَكونُ أنْتَ نَفْسُكَ ثِقلاً على نَفْسِك. وَمَعَ ذلكَ، فما مِنْ دَواءٍ ولا تَعْزِيَةٍ لتَخْليصِكَ أو التَّفْريجِ عَنْك ؛ بَلْ عَليكَ أنْ تَصْبِرَ إلى ما شاءَ الله. فإنَّ اللهَ يُريدُ تَدْريبَكَ على احْتِمالِ الضِّيقِ بِدونِ تَعْزِيَة، لِتَخْضَعَ لهُ خُضوعاً تامّاً، وَتَعودَ مِنَ الضِّيقِ أكْثَرَ تواضُعا. ما مِنْ أحَدٍ يَشْعُرُ حتّى صَميمِ قلبِه، بآلامِ المَسيح، مِثْلَ مَنْ أوتِيَ أنْ يَحْتَمِلَ آلاماً تُشْبِهُها.
فالصَّليبُ مُهَيَّأٌ أبَداً، وَهُوَ يَنْتَظِرُكَ في كُلِّ مكان. لا تَسْتَطيعُ التَّمَلُّصَ مِنْهُ أيْنما هَرَبْت، لأنَّكَ حَيْثُما ذهَبْتَ فأنتَ تَحْمِلُ مَعَكَ نَفْسَكَ، وَتَجِدُ دائِماً نَفْسَك. أنْظُرْ إلى ما فَوْقُ وانْظُرْ إلى ما أسْفَل، أنْظُرْ إلى ما هُوَ خارِجٌ عَنْكَ وانظُرْ إلى ما في داخِلِكَ، تَجِدِ الصَّليبَ فيها كُلِّها. فَعَليكَ بالصَّبْرِ في كُلِّ مَكان، إنْ شِئتَ الحُصولَ على السَّلامِ الدَّاخِليّ، واستِحْقاقَ الإكليلِ الخالِد.
(السفر الثاني، الفصل الثاني عشر، 3 - 4)
مِنْ كِتابِ "الإقتِداءِ بالمَسيح"