غِنَى كلِمَةِ الله «القوت اليومي


رَبِّ، مَنْ يَستَطيعُ فهْمَ غِنَى كلِّ كلِمَةٍ مِنْ كلِماتِكَ؟

إنَّ ما نَفهَمُهُ مِنها لأقلُّ كثيرًا مِمَّا يَقوتُنا.

كالعِطاش الذينَ يُرْوُونَ ظمَأهُمْ مِنْ يَنبوع.

آفاقُ كلِمَتِكَ كثيرَة، كآفاق مَنْ يَبْحَثونَ فيها.

إنَّ الرَّبَّ زَيَّنَ كلِمَتَهُ بِمَحاسِنَ مُتَعَدِّدَة، لكي يَجِدَ فيها كلُّ مَنْ تفَحَّصَها ما يُحِبّ.

أخْفى في كلِمَتِهِ كلَّ الكنوز، لكي يَجِدَ فيها كلٌّ مِنـَّا غِنًى في تَأمُّلِهِ.

 كِلِمَتُهُ شَجَرَةُ حَياة، تَمُدُّكَ مِنْ كلِّ جِهَةٍ بِثِمارِها المُبارَكة،

إنَّها الصَّخْرَةُ المَفتوحَةُ في الصَّحْراء، وقدْ أصْبَحَتْ لِكلِّ إنسان، مِنْ كلِّ الأقطار، يَنبوعَ شَرابٍ رُوحِيّ:

لقدْ نالوا طعامًا روحيًّا، وَشَرِبوا شَرابًا رُوحيًّا.

إنَّ مَنْ يَحْصَلُ  على حِصَّةٍ مِنْ هذا الغِنى، فلا يَظنَّ أنْ ليسَ في كلِمَةِ اللهِ إلاَّ ما وَجَدَهُ هُوَ،

 بَلْ أحْرِ بهِ أنْ يَتَيَقَّنَ أنَّهُ هُوَ ما استَطاعَ أنْ يَكشِفَ فيها إلاَّ شَيئًا مِنْ أشياء.

 وإذا اغتَنَى بِالكلِمَة، فلا يَحْسَبَنَّ أنَّ غِناهُ أفقرَها.

وإذا كانَ غَيْرَ قادِر على استِنفادِ غِناها، فَليَجْأرْ بِالشُّكرِ إلى عَظمَتِها.

إفرَحْ بِكوْنِكَ شَبعْتَ، ولا تَحْزَنْ بِكون ِغِنَى الكلِمَةِ يَفوقُكَ.

ألعَطشانُ يَفرَحُ بِالشُّرب، ولا يَحْزَنُ بِعَجْزِهِ عَنِ استِنفادِ اليَنبوع.

 إنَّ لـَمِنَ الأفضَلِ أنْ يُرْوِيَ اليَنبوعُ ظمَأُكَ، مِنْ أنْ يُجَفِّفَ اليَنبوعَ ظمَأُكَ.

 فإذا ارتَوى ظمَأُكَ، وَلمَّا يَجِفَّ اليَنبوع، أمْكنَكَ أنْ تَشْرَبَ مِنهُ كلـَّما ظمِئتَ.

وبِالعَكس، إذا إرْواءُ ظمَإكَ استَنفدَ اليَنبوع، أمْسَى انتِصارُكَ تَعْسًا لكَ!

أُشْكـُرْ على ما أخَذْتَ، ولا تَتَبرَّمْ بِما يَبْقى.

 إنَّ ما استَولـَيْتَ عليهِ هُوَ حِصَّتُكَ، وما بَقِيَ هُوَ أيْضًا ميراثُكَ.

ما لمْ تَستَطِعْ أنْ تَحْصَلَ عليهِ في الحالِ بِسَبَبِ ضَعْفِكَ، حَصِّلهُ في وَقتٍ آخَرَ بِفَضْل مُثابَرَتِكَ.

لا تَكنْ مَغرورًا بِرَغبَتِكَ في أنْ تَنالَ لِلوَهلَةِ الأُولى ما لا يُمْكِنُ نَوالـُهُ بِمَرَّةٍ واحِدَة، ولا بتَراجُعِكَ عَمَّا يُمْكِنُكَ نوالـُهُ رُوَيدًا رُوَيدًا.


 

      قراءَةٌ مِنْ مارِ أفرامَ السُّريانيّ (+373)