غُفرانُ الأب «القوت اليومي
" أقومُ وأمضي إلى أبي" (لو15/ 18). مَنْ تلفّظَ بهذه الكلمات إنسانٌ مطروحٌ على الأرض.
أدركَ سقطتَهُ وخسارَتَهُ الفادِحة، وقد رأى نفسَهُ غارِقاً في الخطيئةِ، فقال: "أقومُ وأمضي إلى أبي".
أَنَّى لَهُ هذا الرَجاء، هذه الثِّقةُ والدَالّة؟ لأنّ الموضوع يتعلّقُ بأبيه. قالَ في نفسِهِ: لقدْ خسرتُ ميزَةَ البُنوّة، أمّا هو فَلَم يفقِدْ ميزَةَ الأُبُوَّة.
فلا حاجةَ إلى غريبٍ يتوَسَّطُ بينَهُ وبينَ الأب، لأنّ محبّتَهُ لابنِهِ هي التي تتوّسَلُ إليه. إنّ أحشاءَهُ الوالِديّةَ تَغلِبُ عليه لكي يُعيدَ ولادَةَ ابنهِ بالغُفران.
لمّا رأى الأبُ ابنَهُ ، ستَرَ خطيئَةَ الابن. فضَّلَ تصرُّفَ الأبِ على تَصَرُّفِ القاضي، فَبَدَّلَ الحُكمَ بالغُفران، وقد شاءَ عودَةَ الابن لا ضَياعَهُ.
"ألقى بنفسِهِ على عُنُقِهِ وقبّلَهُ" (لو 15/ 20). هكذا يَحكُمُ الأبُ وهكذا يُصلِح: يُعطي قُبلَةً بدَلَ العِقاب، لأنّ قوّةَ المحبّة لا تَعتَبِرُ الخطيئةَ. لذلِكَ غَفَرَ الأبُ خِطيئَةَ ابنهِ بِقُبلَة، وسترها بقُبُلات.
لم يكشِفِ الأبُ خطيئةَ وَلَدِه، لم يَدعْهُ ينهار بين يديه، لقد ضَمّدَ جِراحَهُ فلم يَبْقَ لها أيُّ أثرٍ وأيُّ قُبْحٍ.
إذا كان سُلوكُ هذا الشاب أثارَ فينا الاشمئزاز، وهَرَبُهُ النُفور، إذن حذارِ أن نبتعِدَ عن هذا الأب.
مِنْ مُجَرّدِ رؤيَتِهِ، تهرُبُ الخطيئةُ ويتوارى الشرُّ وتضمحِلُّ التجربة.
أمّا إذا كُنّا ابتعدنا عن الأب، إذا كنّا بدّدنا مالنا في الفحش، إذا ارتكبنا خطيئة، إذا سقطنا في لُجّةِ الكُفر وضَعضعَنا الفشل، فَلْننهَضْ وَلْنَعُدْ إلى هذا الأب، مُتَشجِّعين بِمَثَلِ الابن الشاطر.
هلْ يَسَعُنا بعدَ سماعِ هذا المثلِ أن نُرجِىءَ عودَتنا إلى الأب؟
(العظة 2/3)
القدّيس بُطرُسَ كْرِيزولوك (حوالي 450)