عَرَفاهُ عِنْدَ كَسْرِ الخُبز «القوت اليومي

 

 

 

 

عَرَفاهُ عِنْدَ كَسْرِ الخُبز

 

 

 

   تَرافقَ تِلْميذان. كانا لا يُؤمِنان، وكانا على ذلِكَ يَتَكَلَّمانِ عَنِ الربّ. فإذا الرَّبُّ يُماشيهِما وَلَمْ يَعْرِفاه. كان الرَّبُّ يُظهِرُ في الخارجِ لأعْيُنِهِما ما كان يَجُولُ في الداخِلِ على ضَوْءِ القَلْب. وكان التِلميذانِ مُنْقَسِمَينِ بينَ الحُبِّ والشَّكّ، والرَبُّ داني الحَضْرَةِ مِنْهُما، لَكِنَّهُ لَمْ يَعْتَلِن.

 

وَهَبَ حُضورَهُ لِذَيْنِكَ الرَجُلَينِ وَهُما يَتَكَلَّمانِ عَنْهُ، لَكِنَّهُ حَجَبَ عَنْهُما وَجْهَهُ الحَقيقِيَّ لأنّهُما شَكَّا فيه. كَلَّمَهُما ثُمَّ وَبَّخَهُما على غَلاظَةِ قَلْبَيْهِما. كَشَفَ لَهُما الأسْرارَ المَنوطَةَ بِهِ في الكِتابِ المُقدَّس. ولكِنَّهُ تَبَدَّى كأنَّهُ مُواصِلٌ طَريقَهُ، لأنّهُ كانَ لم يَبْرَحْ غَريبًا عَنْ إيمانِهِما. وَإذا فَعَلَتِ الحقيقة ذلِك، لَمْ تَكُنْ، على بَساطتِهَا مُزْدَوِجَة: كانَتْ تَظْهَرُ لِأعْيُنِ التِلْميذَيْنِ كما هي نَفْسُها في روحَيْهِما.

 

ثُمَّ أرادَ الرَبُّ أنْ يَعْرِفَ هَلْ كانَ التِلْميذان، وَهُما لَمْ يَكونا حتّى إذٍ يُحِبّانِهِ إلهاً، يَمْحَضانِهِ صَداقَتَهُما في مَظْهَرِ الغَريب. غَيْرَ أنَّ المَحَبَّةَ لَمْ تَكُنْ بَعيدَةً عَنِ اللذينَ كانَتِ الحقيقةُ تَمْشي مَعَهُما:  فَدَعَواهُ إلى أنْ يُساكِنَهُما كَما يُدْعَى غَريب. هَلْ يُمْكِنُنا أنْ نَقصُرَ القَولَ على الدَعْوَة؟ يَقولُ الكِتاب: فَألْزَماه (لوقا 24/29). والمَحَبَّةُ في هذا المَثَلِ تُوْضِحُ لنا أنَّ عَلينا، إذا دَعَوْنا غُرَباءَ إلى ظِلِّ سَقْفِنا، أنْ تَكون دَعْوَتُنا مُلِحَّة.

  

هَيَّآا المائِدَةَ وَأعَدَّا الطَعام، فاكْتَشَفا اللهَ بِكَسْرِالخُبْز، وَلَمْ يَعْرِفاهُ بِشَرْحِ الكِتاب. لَمْ يَسْتَنيرا بِسَماع ِ وَصايا اللهِ بَلْ بِمُمارَسَتِها: لأنّهُ لَيْسَ السَّامِعونَ لِلناموسِ أبْراراً عِنْدَ الله، بَلِ العامِلونَ بالناموسِ يُبَرَّرون (رومية 2/13) .

  

إنْ أرادَ أحَدٌ أنْ يَفْهَم ما قَدْ سَمِعَ فَلْيُسْرِعْ إلى العَمَل ِ بِما عَلِقَ مِنْهُ في ذِهْنِه. لَمْ يُعْرَفِ الربُّ حينَ تَكَلّم، لكِنَّه حَنا وعَرَّفَ نَفْسَهُ حينَ ما قُدِّمَ لَهُ الطَعام.

  

إخوَتي الأحْبّاء! لِنُحِبَّ الضيْف. لِنُحِبَّ أنْ نُحِبّ. عَنِ المَحَبَّةِ كَلَّمَنا بُولُس: لِتَسْتَمِرَّ فيكُم مَحَبَّةُ الإخْوَة. ولا تَنْسَوا ضيافَة َ الغُرَباء، لِأنَّ بِها أناساً أضافوا مَلائِكة ً وَهُم لا يَعْلَمُون (عبرانيين 13 /1-2). وقال بُطْرُس: كونوا مُضيفينَ بَعْضُكُم لِبَعْضٍ مِنْ دون ِ تَذَمُّر (1 بطرس 4/9). والحقيقةُ نَفْسُها تُكَلِّمُنا عَنِ المَحَبَّة: كُنْتُ غَريباً فآوَيْتُموني (متى 25/35)، وَكُلَّ ما فَعَلْتُمْ ذلِكَ بأحَدِ إخْوتي هَؤلاءِ الصِّغارِ فَبي فَعَلْتُمُوه (متى 25/40).

  

ونحنُ، بِرُغْمِ ذلِك، يا إخْوَتي، كَسالى عَنْ فَضيلَةِ الضِيافَة. لِنُقَدِّرْ عَظَمَةَ  هذه ِ الفَضيلَةِ قَدْرَها. لِنَتَلَقَّ المَسيحَ إلى مائِدتنا، حتَّى نُقْبَلَ في وَليمَتِهِ الأبَدِيَّة.

  

إذَنْ نُضيفُ المَسيحَ الحاضرَ في الغَريب، لِئَلّا  يُنْكِرَنا هو نَفْسُهُ يَوْمَ الدَيْنونَةِ غُرَباءَ عَنْهُ، بَلْ يَقْبَلُنا يَومئِذٍ كَإخْوَةٍ في مَلَكُوتِهِ.   

                                                           

 

(العظة 23)

 

القدِّيس غريغوريوسَ الكبير (+ 604)