عَذراءُ وَخَشَبَةٌ وَمَوْت «القوت اليومي
هلْ رَأيْتَ ذلكَ الانْتِصارَ العَجيب؟ هلْ رأيتَ مُعْجِزاتِ الصَّليب؟ إنَّي لَمُسْمِعُكَ أمْراً أعْجَب ! إليكَ كيفَ تمَّ ذلكَ الانتِصارُ فتُصبِحَ أشدَّ عَجَبا : لقدْ قهَرَ المَسيحُ الشَيْطانَ بِما بِهِ قهَرَنا الشَيْطان ! حارَبَهُ بالسِّلاحِ الذي بِهِ حارَبَنا ! كيْفَ تَمَّ ذلكَ ؟
عذراءُ وَخَشَبَةٌ وَمَوْت، رَمْزُ الانْدِحار : فالعَذراءُ كانَتْ حَوَّاء، والخَشَبَةُ الشَجَرَة، والمَوْتُ العِقابَ الذي اسْتَحَقَّهُ آدم. وَبِالمُقابِل، ألعَذْراءُ والخَشَبَةُ والمَوت، رَمْزُ الانْدِحار، صِرْنَ رَمْزَ الانْتِصار : مَرْيَمُ بَدَلَ حَوَّاء، وَخَشَبَةُ الصَّليبِ بَدَلَ خَشَبَةِ مَعْرِفَةِ الخَيْرِ والشَرّ، ومَوتُ المَسيحِ بَدَلَ مَوْتِ آدَم !
فتَرى أنَّ الشَيْطانَ قُهِرَ بِما بِهِ قهَرَنا : بِالشَجَرَةِ قهَرَ الشَيْطانُ آدَم، وبالصَّليبِ قهَرَهُ المَسيح. كانَتِ الشَّجَرَةُ تَهْوي بِنا إلى الجَحيم، لكِنَّ الصَّليبَ أصْعَدَ مِنَ الجَحيمِ الهابِطينَ فيها. فوقَ ذلكَ، فالشَجَرَةُ خبَّأتْ رَجُلاً عُرْياناً خَجِلاً، أمّا الصَّليب، فرَفعَ على أعْيُنِ الجَميعِ رَجُلاً عُرْياناً ظافِرا.
مَوْتُ آدَمَ تَناوَلَ جَميعَ الذينَ وُلِدوا بَعْدَهُ، وَمَوْتُ المَسيحِ أقامَ الذينَ وُلِدوا قبلَهُ ! فمَنْ يُخْبِرُ بِأعْمالِ الرَبَّ العَظيمَة، بِمَوْتِهِ أصْبَحْنا لا مائِتين : فيا لِقُدْرَةِ الصَّليب !
(خطبة عن الصليب، 2)
القِدِّيسِ يوحنَّا فمِ الذهَب (+407)