عمَلُ الرُّوح ِ مُتَنَوِّع «القوت اليومي

  

 

 

قراءَةٌ مِنَ القِدّيس ِ غريغوريُوسَ النَّزْيَنْزِيّ (+390)

 

 

                        عمَلُ الرُّوح ِ مُتَنَوِّع

 

 

  إذا سَلّمْنا بأنَّ الرُّوحَ ليْسَ لَهُ أنْ يُمَجَّد، فكيْفَ يُؤلِّهُني ؟

 

 

وإذا وَجَبَ لَهُ التَّمْجيد، فكيْفَ لا يكونُ أهْلاً  لِلعِبادَة ؟

 

وإذا كانَ أهْلاً  لِلعِبادَة، فكيفَ لا يَكونُ إلهاً ؟

 

كِلا الأمْرَينِ مَعْقودٌ بالآخَر. إنَّها حَقّاً لَسِلْسِلَةٌ ذَهَبِيّةٌ وخَلاصِيَّة. فمِنَ الرُّوح ِ يَأتينا التَّبنّي، ومِنَ التّبنّي نَسْتَعيدُ حالتَنا الأولى، ومِنْها نَعْرِفُ الذي أعادَنا.

 

قِيلَ فيه : رُوحُ الله، رُوحُ المَسيح، رُوحُ السَيِّد، السَّيِّدُ في ذاتِهِ، رُوحُ التّبنّي والحَقّ ِ والحُرِّيَّة، رُوحُ الحِكْمَةِ ومَخافةِ الله. فهُوَ صانِعُ جَميع ِ هذه. إنّهُ مَبْدَأُ الكُلِّ بِجَوْهَرِهِ، يَسْتَوْعِبُ الكُلَّ يَمْلأ العالمَ جَوْهَرُهُ، لا يَحُدُّ العالمُ قدْرَتَهُ. إنّهُ صالِحٌ ومُسْتَقيمٌ ومُرشِد، مُقدَّسٌ بطبيعتِهِ لا بِصِفَةٍ تُضافُ إليه. يَقيسُ ولا يُقاس، يُشْتَرَكُ فيه ولا يَشْتَرِك، يَمْلأ ولا يُمْلأ، يَحْتَوي ولا يُحْتَوى، يُورِثُ، يَتَمَجَّد، يُذْكَرُ مَعَ الآبِ والابْن. هُوَ إصْبَعُ الله، هُوَ نار، مِثْلُ الله، لِيَدُلَّ بِحَسَبِ إيماني على أنّهُ مُساوٍ لَهُ في الجَوْهَر.

 

 

هُوَ الرُّوحُ الذي يُبْرِئُ كُلَّ الخَلائِق، يُجَدِّدُ بالمَعْمُوديَّةِ والقِيامَة. إنَّه الرُّوحُ الذي يَعْرِفُ كُلَّ شَيء، يُعَلّم، يَهُبُّ حَيْثُ يَشاء، مِقْدارَ ما يَشاء. يُرْشِدُ، يَتَكَلّم، يُرْسِل، يُنير، يُمَيّز، يَغْضَب، يَمْتَحِن، يُوحي، يُلْهِم، يُحْيِي ؛ هُوَ بالأحرى نُورٌ وحَياة، يَجْعَلُنا هَيكَلَهُ، يُؤلّهُنا، يُبَلّغُنا الكَمال، حتّى إنّهُ يَسْبِقُ المَعْموديَّة، وَيَتْبَعُها. إنَّ لَهُ كُلَّ فِعْل الله، يُقسِّمُ ألْسِنَةً مِنْ نار، يُوَزِّعُ المَواهِبَ الرُّوحيَّة، يَصْنَعُ رُسُلا ً وأنْبياء، إنجيليّينَ ورُعاة ومَلافِنَة.

                                                                                (خطبة 31/28-29)