صِهْيُونُ الصَّالِبَة «القوت اليومي
صِهْيُونُ الصَّالِبَة
قالَ موسى : بِكَ، رَبِّ، يَليقُ أنْ تَتَحَمَّلَ
مِنِ ابْنَةِ العِبْرانيِّينَ، الافْتِراءَ وَالعار، الظُّلْمَ وَالهَوان !
يَوْمَ أرْسَلْتَني، وَوَالِدَكَ، مِنْ سِيناء،
وَقبِلْتُ مِنْكَ العَصا السِرِّيَّة، وَنَزَلْتُ إليها :
بِقُوَّتِكَ صَنَعْتُ القُوَّاتِ بَيْنَ المَصْرِيِّين،
فَلَقْتُ البَحْرَ، فَجَّرْتُ الصَّخْرَ، أنْزَلْتُ المَنَّ،
أصْعَدْتُ السَّلْوى، كَثَّرْتُ الخَيْرَ والفَرَح،
بَعْدَ هذِهِ كُلِّها، احْتَقرَتْنِي وأنْكَرَتْني وَعَذَّبَتْني !
وَها هِيَ الآنَ تُعِدُّ الصَّليب، تَسُنُّ الرُّمْحَ، تَسْتَلُّ السَّيْف،
تَضْفِرُ الإكْلِيلَ، تَمْزُجُ الخَلَّ، تَخْلِطُ المُرَّ،
تُهَيِّئُ السَّلاسِل، تَصوغُ المَساميرَ، تَحْتَقِرُكَ !
تَقودُكَ إلى الآلامِ حُرّاً لا مُكْرَهاً !
إنْزِلْ، رَبِّ، أكْمِلِ الطَّريقَ الذي نَهَجْتَهُ،
كَبِّلِ الخَطيئةَ بِصَلْبِكَ، وَفُكَّ آدَم.
إصْعَدْ إلى الصَّليب وَأخْزِ الرُّؤساءَ والسَّلاطين،
شَهِّرْهُمْ لِأنَّهُمْ صاروا أسْياداً في الضَّلال !
عَطَفَ إيليَّا، قالَ لِلابْنِ على الجَبَل،
وَقدْ فَرَغَ موسى الصَّادِقُ مِنْ كَلامِهِ :
صِهْيونَ شِرِّيرَة، كما تَعْرِفُها،
أشْبَهُ بإيزابَلَ التي لَمْ تَسْتَرِحْ إلّا بَعْدَ أنْ قتَلَتْ !
إنَّها تُريدُ أنْ تَزْني، وَبِما أنَّكَ القُدُّوس، تَفِرُّ مِنْكَ !
إنَّها تُحِبُّ الأصْنام، وَبِما أنَّكَ الله، تَكْرَهُ أنْ تَراك !
على مائِدَةِ البَعْلِ سَمِنَتِ ابْنَةُ العِبْرانِيِّين،
نَسِيَتِ العَجوزُ أباكَ، وَهِيَ غَيْرُ راضِيَةٍ بِكَ !
سَمِعَ التَّلاميذُ الكلامَ الذي قيلَ هُناك،
فاسْتَناروا وَفَهِموا آلامَ الابْن.
سَمِعوا كَلامَ موسى وإيليَّا
عَنْ " خُرُوجِهِ "، فَفَهِموا واسْتَناروا.
وَلِئلَّا يُنْبِئ رَبُّنا وَحْدَهُ بِمَوتِهِ،
أتى بالنَّبِييَّنَ يُحَدِّثانِ عَنْهُ تَلاميذَهُ،
لِكَيْ يتَثَبَّتَ التَّلاميذُ مِنْ آلامِهِ وَصَلْبِهِ،
قبْلَ حُدُوثِها، فإذا حَدَثَتْ لَمْ يَعْثُروا !
(الملفان مارِ يَعْقوبَ السَّرُوجِيّ
من أباء الكنيسة توفي عام 521)