حِكْمَةُ الحَياة «القوت اليومي
كانَتِ الحِكْمَةُ عِنْدَ الأقدَمينَ في الأعْمالِ أظهَرَ مِنْها في الأقوال، فقدْ فضَّلوا على طلاقةِ اللِّسانِ عَظَمَةَ الذّكاءِ تَنْعَكِسُ على الصَّمْت.
كَرِّمِ العِفَّةَ مِثلَ الله. واعْلمْ أنَّ عَمَلَ الخَيْرِ حَسَن، والتَّفْكيرَ في أشياءَ مُخْجِلَةٍ شَرّ. كُلُّ ما تُفكِّرُ فيه، ولو لمْ تُنَفِّذْهُ، مَحْفورٌ في فِكْرِكَ، الشَّرُّ مِثلُ الخَيْر. رَجُلُ الخَيْرِ هُوَ مِثلُ روحِ الله. ألحَكيمُ بِمَشوراتِهِ مِثلُ النَّبيّ، نَظَراً إلى مَنْ بِهِم حاجَةٌ إليه.
مَنِ اسْتَغْنى عَنِ الحَقيقةِ ولجَأَ إلى مَظاهِرِها، يَطالُهُ المَوتُ في مَلجَإهِ. الثَّرَواتُ التي لا تَسْتَطيعُ أنْ تُحافِظَ عليها لا تَطلُبْها مِنَ الله، إذ لا يَليقُ بِكَ أنْ تَدَعَ عَطايا اللهِ تُسْلَب. أَجْهِدْ بالأحْرى نَفْسَكَ، وَلِتُعَلّمْكَ حِكْمَتُهُ ما هُوَ صالِح، وَلِتُكَمِّلْ مَشيئَتُهُ ما هُوَ واجِب. مَنْ يَسْتَرْضِ الأشْرارَ فهُوَ شَرٌّ مِنْهُم. ألكلِماتُ القبيحَةُ هَذَرٌ وَثَرْثَرَة، كَثْرَةُ الكَلامِ لا تَخْلو مِنَ الزَّلَل. إنَّها عَلامَةُ النَّفسِ غَيْرِ الرَّصينَة.
بَعْضُ التَّلامِذَةِ سَألوا أحَدَ أساتِذَتِهِم : ما الخَيْرُ الذي يَعْلو كُلَّ خَيْر؟ أجابَ : الحِكْمَة ! لِأنَّ سائِرَ الخَيْراتِ زائِلة، ولِكُلٍّ مِنْها نَقيضُهُ. نَقيضُ الغِنى الفَقرُ، والحُبِّ المَوْتُ، والمَجْدِ النُّسيانُ، والقُوَّةِ المَرَضُ. إنَّما عَظَمَةُ النَّفْسِ تَبْقى على حالِها : تُخَفِّفُ عَنِ الغَنِيِّ وِقْرَ الغِنى، تُعَزّي الفقيرَ عَنْ حاجَتِهِ، تُقوّي العَجَزَةَ وتُربِّي الأطفال، وتَحفَظُ على الشَّبابِ العِفَّة. وَكَمْ مَرَّةٍ وَقفَتْ كالزَّوْرَقِ جَنْبَ الغَريق ؟ إنَّها الفضيلةُ التي تَنْتَصِرُ على كُلِّ شَيْء !
مارِ أفرامَ السُّريانيّ (+373)