حياةُ الإيمان وحياة العيان «القوت اليومي
في الكنيسةِ نوعانِ مِن الحَياة: ألأوّلُ بالإيمان، والثاني بالعَيان ؛ واحِدٌ لِزمانِ الغُربَة، والآخرُ لِزمانِ الخُلُود ؛ واحِدٌ لِلشُغلِ والكدّ، والآخرُ لِلهُدوءِ والسُّكون ؛ واحِدٌ لِلطَريق، والآخر لِلبلدِ الذي لا يَنتهي إليهِ
الطريق ؛ واحِدٌ لِجِهادِ العمل، والآخرُ هِبَةُ التأمُّل ؛ واحدٌ لترْكِ الشّرِّ وعَمَلِ الخَير، والآخرُ ليسَ فيهِ شَرٌّ يُترَكُ بَلْ خيْرٌ يُدرَك ؛ واحدٌ في حَرْبِ العَدّو، والآخرُ بِلا حربٍ ولا عَدوّ ؛ واحِدٌ يَنمو وَيَتَقوَّى
بِالتّجارِبِ وَالمِحن، والآخرُ ليسَ فيه مَجالٌ لِلتَجْرِبَةِ ولا شعورٌ بِالمحنةِ ؛ واحِدٌ يَمْتَطي شهْوَة اللّحْم، والآخرُ يَسيرُ وَراءَ الرّوح ؛ واحِدٌ يَهْتَمُّ لِيَنالَ النّصْر، والآخَرُ يَحْيا في النّصرِ بِلا هَمّ ؛ واحِدٌ يَسألُ
المَعونَة في البليَّة، والآخَرُ يَحْيا غيرَ مُبالٍ بِالبَلايا، إذ يَكونُ في حِفظِ مَنْ يُعينُ وَقتَ الهُمومِ والبَلايا ؛ واحِدٌ يُساعِدُ المُحْتاج، والآخرُ يَعيشُ بِلا حاجَة؛ واحِدٌ يَغفِرُ لِلمُذنِبِ إليهِ ليُغفَرَ ذنبُهُ، والآخرُ لا يَشْعُرُ بِأنَّ
أحَداً قدْ أذنَبَ إليه، أو هُوَ أذنبَ إلى أحد ؛ واحِدٌ يُمتحَنُ بِالشَّرِّ لئلا يَسْتَعلي بِالخير، والآخرُ لا يُؤدَّبُ، لأنّهُ، بِالنِعمَةِ، يَلتَصِقُ بِالخيرِ الأعْظَم ؛ واحِدٌ يُميِّزُ بَين الخَيرِ والشرّ، والآخرُ يَرى الخَيرَ في كُلِّ شيء.
فالأوَّلُ حَسَن، و لكنّهُ لا يزالُ يَشقى ؛ أمَّا الآخرُ فأحْسَنُ وَيَبْقى حَسَنا.
القديس أغوسطينوس (+ 430)