حياةٌ ومَوتٌ وقيامة «القوت اليومي
إنَّ وَطَنًا يُزهِرُ فيهِ ميلادٌ ومَوتٌ هُوَ وطنُ الألم. والناسُ يَبحَثون عَنِ السعادَةِ في وَطنِ الألم. يبحَثون عنِ الخُلودِ في وطنِ المَوت. ولكنَّ الرَّبَّ يقولُ لنا، الحَق ُّ يقولُ لنا : إنَّ ما تبحَثون عنهُ ليسَ هُنا، لأنّهُ ليسَ مِن هُنا.
إنّكُمْ تَبحَثون عَنِ السعادَة، وكُلُّ إنسانٍ يَصبو إليها. تَبحَثون عَنِ السعادَةِ لأنَّ الحياة حُلوَة. ولكِنّنا وُلِدنا لِنَموت... وَشقاؤنا الأكبَرُ أنّنا نُريدُ أنْ نَحيا، ونَحنُ مُكرَهون على أنْ نَموت.
يأتي الإنسانُ إلى العالم، وكُلُّ إنسانٍ يقول: أريدُ الحياة. ولا واحِدٌ يَشاءُ أنْ يَموت. وعلى كُرهِهِ لِلمَوتَ، هُوَ مُكْرَهٌ على أنْ يَموت. بِجَميعِ طاقاتِهِ يَهوى الحياة : ياكُلُ، يَركُضُ، ينامُ، يَمشي، يَفتَحُ عَينيه، يَشاءُ الحياة. وغالبًا ما يَخرُجُ ظافِرًا مِنْ أخطارٍ شتّى، وَيَقوى على العيش.
ولكنْ ليَحتَفِظْ - إنْ استَطاع - بِرونَقِ الشّباب، وَيَتَدارَكِ الشَيخوخة ! ينجو مِن أخطارِ يومٍ فيقول : لقدْ أفلتُّ مِن المَوت ! بِنَجاتِك مِنْ أخطارِ يومٍ، لمْ تَعملْ سِوى أنّك أضَفتَ يومًا إلى حياتِك ! عِشتَ يومَ إمتِداد، ولكنْ فكِّرْ فترى أنّك خَسِرْتَ أيضًا يومًا، فلو فرَضْنا أنّك ستَعيشُ ثلاثين عامًا، فهذا اليومُ المُنصَرِمُ يُطرَحُ مِنْ مَجموعِ أيّامِك، فيُعَجِّلُ أجَلَ مَوتِك.
تَمضي سنَةٌ وَتَتلوها أخرى. ولكنْ حين َ تأتي هذه، لا يَسَعُكَ أنْ تَحتَفِظَ بها. وفي حَسْرَةٍ تَعيشُ سنةً أخرى. الحياةُ تَخطِفُ الحياة. الوَقتُ يَقضِمُ وُجودَكَ فإذا بهِ غيرُ مَوجود، لأنّهُ لنْ يوجَدَ في فجْرِ يومِكَ الأخير.
ولكنَّ رَبَّنا يسوع المَسيح أتى، وهُوَ يقولُ لنا : ما تَخافون، أيُّها الناسُ الذين خلقتُكُمْ ولمْ أهْمِلْكُم؟ أيُّها الناس ! مِنكُمْ كان الدَّمارُ ومِنّي الخَلق.
أيُّها النّاس ! لِمَ أنتُمْ خائِفون مِن المَوت؟ هاءنذا أموتُ، هاءنذا أتألّم. فلا يَرعَبْكُمْ ما كان يَرعَبُكُم. إنّي رَجاؤكُم.
أجلْ، لقدْ صنعَ لنا ذلك، فأظهَرَ لنا قيامَتَهُ إلى الأبد.
(عظة غولفر بيتانوس،12)
القدّيس أغوسطينوس (+430).