حول إنجيل التجربة «القوت اليومي
إذا كان سيّدُنا، لهُ المَجْد، تَجَسَّدَ لأجلِ خَلاصِنا، وَقهَرَ الشَهَواتِ البدنيَّة، والجَواذِبَ الدُنيَويّة والتَجارِبَ الشَيطانيّة، ليَتَمَثلَ بِهِ المُؤمنون، فما بالـُـنا مُهمِلين الاهتِمامَ بِخَلاصِنا وَمُقاوَمَةِ عَدُوِّنا؟
ما بالـُـنا لا نَتَذَكَّرُ أنَّ المَسيحَ ابتَدأَ، بعدَ الصُّعودِ مِن الماء، بِالصَّومِ وَمُجاهَدَةِ الشيطان، ليُعَلّمَ المؤمنين أنْ يَصنعوا بعدَ المَعموديَّةِ ما صَنَعَ : فيَنبِذون الاهتِمامَ بِأمورِ العالَم، وَيَشرَعون، أوَّلَ الجِهاد، في الصِّيامِ وَمُقاومَةِ الشَيطان...
بَعدَ إِذ رَأيتَ، يا هذا، كَيفَ قهَرَ المَسيحُ الشّيطان حين جَرَّبَهُ بِلَذَّةِ الغِنى وَعُلُوِّ المَنزِلَة، فَهَلُمَّ أُريكَ أيّوبَ الرَّجُلَ السَّاذَجَ كَيفَ اعتَصَمَ بالشّجاعَةِ في محبّةِ الخالِق، تدّرَع بالصَبرِ وَتَنَطّقَ بالأمانةِ واستَتَرَ بالرَّجاء، ضَرَبَ بِسيفِ العَزمِ فألقى عدُوَّهُ جَريحاً. فقد قاتَلَهُ أوَّلاً بِما أتلَفَ لَهُ مِن مالٍ وَخيرٍ وَذَخائِرَ وَعبيدٍ وَمزارِع وَمَواشي.
فقاتَلَهُ الصِدّيقُ بالصَّومِ والصَّلاةِ وَالهَذيذِ بِذكرِ الله، وَتقدِمَةِ القرابينِ وَغَوثِ المُحتاجين. وَ لمَا رآهُ المُحارِبُ شَديدَ العَزيمَة، طاهِرَ النَفس، ثَبتَ القلب، طَلَبَ أنْ يَسلُبَهُ جَميعَ مُقتَناهُ احتيالاً، ليَستميلَهُ إليَهِ بالكُفرِ وَالضَجَر.
واعَجَبا مِن ذَلِكَ الصِدِّيق! كيفَ بدا على فقرِهِ، أعظَمَ مِنهُ على غِناه! كيفَ وَسَعَ الشيطان أنْ يَسلُبَهُ كُلَّ ما يَقتني، وَلَم يَسَعهُ أن يسلُبَهُ مَحَبَّة خالِقِهِ!
(العظة 23)
القدّيس يوحنّا فم الذهب (+407)