جَمالٌ في قلبِ الزَّوال «القوت اليومي

 

 

 

جَمالٌ في قلبِ الزَّوال

 

 

   أطْرُدْ يا رَبُّ ظُلُماتِ اللّيلِ مِنْ فِكْرِنا بأنوارِ نَهارِ مَعْرِفَتِك، لِكَيّ يَخْدُمَك فِكْرُنا المُسْتَنيرُ بِتَجَدُّدِهِ في النَّقاوة.

 

  

عِنْدَما تَبْدَأُ الشَّمْسُ مَسيرَتَها يَبْدَأ المائِتونَ عَمَلهُم، فاجْعَلْ، رَبِّ، عُقولَنا مَسْكَناً جَميلاً لِذلك النّهارِ الذي لا يَعْتَريه زَوال. إمْنَحْنا أنْ نَرَى فينا الحَياة المُسْتَمَدَّةَ بالقيامَة، وألّا يُبْعِدَ فِكْرَنا شَيءٌ عَنْ جَمالِك. إطْبَعْ فينا، رَبِّ، آثارَ ذاك اليَوْمِ الذي يَخْضَعُ لِحَرَكَةِ الشَّمْسِ وَمَسيرَتِها، وَهَبْ لنا أنْ نَطْلُبَكَ مُثابِرين.

  

هَلْ نَسْتَطيعُ أنْ نَقْبَلكَ كُلَّ يَومٍ مِنْ كَنْزِ أسْرارِكَ، نَتَناوَلَك في جَسَدِنا؟ أهِّلْنا أنْ نَخْتَبِرَ فينا القيامَة التي نَتَرَجَّى. لقدْ خَبَأْنا ذلك الكَنْزَ في جَسَدِنا الى نِعْمَةِ المَعْمودِيَّة، فَلْيَزِدْ غِنى هذا الكَنْزِ على مائِدَةِ أسْرارِك. إنْضَحْنا بِفَرَحِ نِعْمَتِكَ. إنّا نأخُذُ عُربونَ وَليمَتِكَ الرُّوحِيَّة، عَلّنا نَحْصَلُ عليه فِعْلاً وَقْتَ التَّجْديدِ الآتي.

  

هل يُعْطَى لنا أنْ نُدْرِكَ الى أيِّ جَمالٍ نَحْنُ مَدْعُوُّونَ بِاكْتِشافِنا هذا الجَمالَ الرُّوحيَّ الذي فجَّرَتْهُ إرادتُكَ الأزليَّة في قلبِ الزّوالِ عَيْنِه؟

  

إنَّ صَلْبَك، يا مُخَلِّصَنا، قد ضَرَبَ حَدّاً لِحَياتِكَ الجَسَدِيَّة، فامْنَحْنا أنْ نَصْلِبَ فِكْرَنا سَبْقاً لِحَياةِ الرُّوح. قيامَتُك يا يَسُوعُ تَمْنَحُ إنْسانَنا الرُّوحيَّ عَظَمَتَها، فليَكُنْ تَأمُّلُنا أسْرارَكَ مِرآةً نَتَبَيَّنُك فيها.

  

تَصْميمُك الألهيّ، يا مُخَلِّصَنا، يُصَوِّرُ عالمَ الرُّوح، فامْنَحْنا أنْ نَغوصَ فيه كما يَليقُ بالإنْسانِ الرُّوحانيّ. لا تَحْرِمْ نَفْسَنا، يا رَبِّ، مِنْ ظُهورِكَ الرُّوحيّ، ولا تَبْعُدْ عَنْ أعْضائِنا حَرارَةَ حُبِّك. الزَّوالُ الخَبِيءُ في جَسَدِنا، يَمْلأنا فَساداً، فليَكُنْ حُبُّكَ الرُّوحيُّ مُطَهِّراً قلبَنا مِنْ نَتاجِ هذا الواقِعِ العابِر. إمْنَحْنا، رَبِّ، أن نُسْرِعَ نَحْوَ مَدينَتِنا وأنْ نَتَأمَّلَ فيها، فنُهَيْمِنَ عَليها على مِثالِ مُوسى مِنْ شُرْفَةِ الجَبَل !

 

 

 

(في الآخرة والعقاب، 3/2 ،4 - 5)

 

مارِ أفرامَ السُّريانيّ (+ 373)