تعظيم الرّبّ والإبتهاج بالله «القوت اليومي
لقد بشّر الملاك العذراء مريم بأشياء سرّيّة. ولتوطيد إيمانها، أطلعها على أمومةٍ قريبةٍ لامرأةٍ مُسنّةٍ وعاقر، برهاناً على أنّ الله يستطيع أن يعمل ما يشاء.
عندما سمعت مريم هذا، أسرعَت إلى الجبل، لا لعدم إيمانها بالنّبأ، ولا بتردّدٍ في ما يخصّ البشارة، ولا بسبب شكٍّ، ولكن بابتهاج شوقها، وسرعة فرحها، وأمانتها لتقدّم خدمة. إلى أين تذهب، بهذه السّرعة، وقد امتلأت من الله، إلا نحو القمم؟
نعمة الرّوح القدس لا تعرف مَهَلا! وفي الحال ظهرت إحساناتُ مجيء مريم وحضور الرّبّ. فعندما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها وامتلأت من الرّوح القدس.
لنلاحظ اختيار كلّ كلمةٍ ووزنها. كانت أليصابات الأولى في سماع الصّوت، وأمّا يوحنّا فكان الأوّل في قبول النّعمة. سمعَت أليصابات بحسب نظام الطبيعة، أمّا يوحنّا فتهلّل بدافع السّرّ. أليصابات شعرَت بمجيء مريم، وأمّا يوحنّا فبمجيء الرّبّ... تهلّل الولد، والأمّ فاضَت عليها النِّعَم.
الأمّ لم تُغمَر بإحسانات الله قبل ابنها، بل الابن امتلأ من الرّوح القدس فملأ أمّه. يوحنّا تهلّل، وروح مريم تهلّلت، أمّ أليصابات فامتلأت حين تهلّل يوحنّا...
قالت أليصابات: طوباكِ أنتِ يا مَن آمنتِ! وطوباكم أنتم أيضاً الذين سمعتم وآمنتم، لأنّ كلّ نفسٍ مُؤمنةٍ تحبلُ وتلدُ كلمة الله. فلتستقرّ نفس مريم في كلّ واحد، لتمجيد الله!
إذا لم يكن للمسيح غيرُ أمٍّ واحدة، بحسب الجسد، فالمسيح هو ثمرة الجميع بحسب الإيمان، لأنّ كلّ نفسٍ يُمكنها أن تقبل كلمة الله شرط أن تكون نقيّةً خاليةً من الخطيئة.
وكلّ نفسٍ توصّلت إلى هذه الحالة، تعظّم الرّبّ كما عظّمَت الرّبّ نفسُ مريم، وكما تهلّلت روحُها بالله المخلّص. نقرأ في مكانٍ آخر "عظِّموا الرّبّ معي".
يتعظّم الله، ليسَ لأنّ الصّوت البشريّ يزيد عليه شيئاً، بل لانّه يتعظّم فينا، لأنّ "المسيح هو صورة الله".
فمَن تصرّفَ بتقوى وعدلٍ يُعظّم صورة الله، وبتعظيمها يرتفعُ على نحوٍ ما إلى حدّ المشاركة في عظمة الله.
القدّيس أمبروسيوس