القيامة هي باب الأبدية «القوت اليومي
لولا القيامة لكان الموت حكمًا بالفناء:
والفناء هو أمر مخيف. وهو نهاية مؤلمة تعتبر أقسى مأساة. ولكن الله عندما خلق الإنسان، لم يخلقه للفناء، وإنما للحياة. وإن كان الإنسان قد تعرض للموت بسبب خطيئته، فإن الله رسم له طريق الخلاص. وأقامه من هذا الموت.
بل إن الله عندما خلق الإنسان، خلق له شيئًا خالدًا هو الروح.
والروح لا تموت بموت الإنسان، بل تبقي حية بطبيعتها. وبهذا يختلف الإنسان عن باقي المخلوقات الأخرى علي الأرض، التي تنتهي حياتها وتبيد. أما الإنسان فإنه بالقيامة يبدأ من جديد حياة أخري لا تنتهي. وهنا تبدو قيمة الإنسان وأفضليته علي غيره من المخلوقات الأرضية.
ولأن الروح وحدها، لا تكون إنسانًا كاملًا، لذلك لا بد أن يقوم الجسد ويتحد بها.
وهكذا لا تكون الحياة الأبدية لجزء واحد من الإنسان هو الروح، بل تكون للإنسان كله روحًا وجسدًا. فيعود الإنسان كله إلي الحياة.
وبهذا تكون القيامة يقظة للإنسان بعد نوم طويل:
ونقصد بها يقظة لهذا الجسد، أو للإنسان بمعناه الكامل. أما الروح فهي في يقظة دائمة.
إن القيامة هي نهاية للموت. فلا موت بعدها:
إنها نهاية لهذا العدو المخيف. لقد انتصر الإنسان على أعداء كثيرة للبشرية، ما عدا هذا الذي غلب الجميع لأنه كان عقوبة من الله الذي لا رادع لحكمه ولكن الله بالقيامة نجّى البشرية من هذا العدو، وقضي عليه إلي الأبد.
وأصبحنا أمام جسر يفصل بين حياتين: على أوله الموت، وفي نهايته القيامة. فالموت هو نهاية الحياة الأولي، والقيامة هي بداية الحياة الأخرى. والمسافة بينهما هي فترة انتظار، تنتظرها أرواح الذين سبقوا، حتى يكمل أخوتهم على الأرض جهادهم واختبارهم.
علي أن الأبدية التي تقدمها القيامة لابد أن تسبقها الدينونة.
بين القيامة والأبدية يقف يوم الدينونة الرهيب، حيث يقف الجميع أمام الله، ليقدموا حسابًا عن كل ما فعلوه بالجسد، خيرًا كان أم شرًا. يقدمون حسابًا عن كل عمل، وكل فكر، وكل إحساس وشعور، وكل نية نووها، وكل كلمة لفظوها. ويمضي الأبرار إلى النعيم الأبدي، ويمضي الأشرار إلى العذاب الأبدي.
لذلك فكما أن القيامة فرح للأبرار، هي أيضًا رعب للملحدين وللأشرار. وحتى بالنسبة إلى الأبرار يعيد الله ترتيب مراكزهم، بحسب أعمالهم.
فيعطي كل إنسان مركزًا جديدًا بحسب ما كان له من نقاوة القلب والفكر، وبحسب ما كان له من دقة في تنفيذ وصايا الله، ومن جهاد في نشر الخير ومحبة الإنسان، وأيضًا بحسب ما كان في قلبه من حب لله واشتياق إليه.
البابا شنودة الثالث
من كتاب تأملات في القيامة