الفَرَحُ والرُؤْيَةُ في الصَّلاة «القوت اليومي
ألشُّعورُ بالفَرَحِ أثناءَ الصَّلاة، خِلافُ الرُؤيَةِ أثناءَ الصَّلاة، وَهذِهِ أرْفَعُ مِنْ تِلْكَ على مُسْتَوى ما يُمَيِّزُ الرَّجُلَ البالِغَ عَنِ الوَلَدِ الصَّغير. يَحْدُثُ أحْياناً أنَّ الكَلِماتِ تَكونُ مِنَ الحَلاوَةِ في الفَم، بِحَيْثُ إنَّ كَلِمَةً واحِدَةً تَملأُكَ سُروراً. فَرْطُ الشُّعورِ بِعَدَمِ الارْتِواءِ لا يَدَعُكَ تَتْرُكُها إلى بَعْدُ.
ولكِنْ متى غَلَّ المُصَلّي في التَأمُّل، تلاشَتِ الكَلِماتُ مِنَ الشَّفَتين. والمُؤهَّلُ لِهَذِهِ النِّعْمَةِ يَشْعُرُ أنَّهُ بِلا جَسَدٍ مِنْ فَرْطِ انعِدامِ الشُّعورِ بِهِ، والذُّهولِ الذي يَغْشى العَقلَ الواهي. هذا ما يُسَمَّى الرُؤيَةَ أثناءَ الصَّلاة، لا صورَةً أو ضَرْباً مِنَ الخَيال، كما يُشَبَّهُ لِلجُهّال.
حتّى هذِهِ الدَّرَجَة، تُدْعَى صَلاةً ! لأنَّ الفِكْرَ لمْ يَتَجاوَزْ تَماماً ذلِكَ الحَدَّ الفاصِلَ بَينَ الصَّلاةِ وبَينَ ما هُوَ أعلى مِنها. فَحَرَكاتُ اللِّسانِ والقلْبِ، أثناءَ الصَّلاة، مِفْتاحُ المَدْخَلِ إلى الكَنْز، حَيثُ يَقِفُ اللِّسانُ، وَتَجْمُدُ الشَّفتان، وَيَهْدأ القَلْبُ، وَيَقِفُ العَقْلُ عَنْ طَوافِهِ، وَتَتَراخى الحَواسُّ، وَيَعْجُزُ الفِكْرُ عَنِ التَّحْليق ... يَقِفُ كُلُّ حَراك، وَيَسودُ الصَّمْتُ مَمْلَكَةَ الإنْسانِ الدَّاخِليَّة، لأنَّ السَيِّدَ حالٌّ في هَيْكَلِهِ.
مارِ اسحقَ السُّريانيّ (أواخر القرن السابع)