العُلّيقة المُتّقِدَة «القوت اليومي




أعلمُ أنّكَ تَدعوني أنتَ الذي أجهَلُ اسمَه.

تفتحُني شيئاً فشيئاً على نورِكَ.

كاللّهيبِ الذي لا يَنطفِئ

وكالنّارِ التي لا تتلاشى

تُنيرُ عَقلي.

أخافُ أن أقترِبَ.


ثقُلت قدَمايَ وانقسَمَ قلبي.

تَمركزتُ وجعلتُ مِن حياتي حَياةً هادِئة

معَ زوجتي وأولادي.

نسيتُ ذَوِيَّ، نسيتُ بُؤسَهُم وهُمومَهُم.

اهتَممتُ بِنفسي : أفليسَ هذا مِن حَقّي؟

أطفِئْ هذهِ النار، اُترُكْني وشأني واسكُتْ.


لهيبُكَ لا يزالُ يشتعِلُ ونارُكَ لم تنطفِئ.

أسمَعُ اسماً هو اسمي تلفُظـُهُ

وأشعُرُ بِذراعٍ هي ذِراعُك على كتفي.

لا أقوى على الأمرِ وقد فاتَ الأوان

ولم أعُدْ أستَطيعُ الرجوع إلى الوراء

إنّي مَفتون، إنّي مَغلوب، وها أنا أقترِبُ مِنكَ

وقلبي خَفيفٌ وقدمايَ أقلُّ ثِقلا ً.


"مَن أنتَ، يا ربّ؟

قُلْ لي اسمَكَ وأرِني وَجهَكَ"

تَقولُ لي: "اذهَب، إنّي أرسِلـُـكَ.

رأيتُ بؤسَ الشّعبِ وسَمِعتُ صُراخَهُم.

عرفتُ هُمومَهم، وعلى عجلٍ أ ُريدُ أن أ ُخلّصَهُم.

اذهَبْ ولا تُبطِئْ.


أريدُ أن يَحيا النّاسُ ويَفرَحوا ويَكونوا سُعداء.

أريدُ للعبدِ أنْ يُصبِحَ حُرّاً

وللإنسانِ المُنقسِمِ القلبِ أن يَكتَشِفَ السّعادة.

أ ُريدُ للذين يُشَوِّهُهُمُ الخُبث ُ البَشريُّ أن يَعرِفوا الغُفران.

أريدُ للإنسانِ أن يُصبِحَ إنساناً ويحيا في الفرَحِ

أريدُ كُلَّ ذلكَ مِن صَميمِ القلب، ولذلك أ ُرسِلـُكَ".


فهمتُ، يا ربّ، فهمتُ مِن زمَنٍ طويل.

ولكنَّ مَطاليبَكَ زائدة

وما تُريدُهُ يَعوقُ طاقتي

فذلكَ مِن المُستحيل، صدِّقني.

قلوبُ الناسِ قاسيَة ٌ مُغلقة، فإنّي أعرِفُها.

هذا وإنّي لا أ ُحسِنُ الكلام.

أنا وَحدي، وذِراعي قصيرة.

فلستُ أهلا ً لذلك.


ولكن...

أعلمُ أنَّ هذا غيرُ  صحيح.

إنَّ أقوالي غيرُ صَحيحة.

وإنّي أبحث ُ عنِ الاعتِذار.

لستُ وَحدي، بل أنتَ معي

وما أكثرَ الذين حَولي!

لبَّيكَ يا ربّ

سأكونُ فمَكَ وقلبَكَ ويَديكَ.


من كتاب "صلوات جديدة" للأب صبحي حموي اليسوعي.