"العيش بالروح القدس" «القوت اليومي
العيش وحده لا يكفي، العيش المنسحق وحده لا يكفي . يجب على اللاهوتّي أن يعيش بالروح القدس، أي يجب على الروح القدس أن يحلَّ فيه، وإلَّا عبثٌ كُلُّ لاهوت.
إنَّ حلول الروح القدس حالٌ تختلف تماماً عن أيّ حالٍ طبيعية. إنها هبة من فوق. إنّها عالم جديدٌ بكل معنى الكلمة. وهي أيضاً حال لا يمكن وصفُها إلّا عندما نكون فيها. وعندما نكون فيها لا نريد أن نصفها، لأن عمليّة وصفها تبخّرُها منّا.
الروح القدس عون يأتينا من الخارج، فرجٌ يهبه الربّ يسوع ذاته لنا. يجب أن ننتظر إلى أن يأتي. يجب أن نصبر على أنفسنا وعلى الربّ يسوع حتّى يهبه لنا بمحض حرّيته وإرادته، وفي حينه. إنّ أيَّ تعجيل له يُبعدُه عنّا، لأنَّ أيَّ تعجيل إن هو إلَّا عمليّة سحر، عمليّة إرغام للمسيح.
غير أنّ الروح القدس إله، إله يُسجد له كما يُسجد للآب والابن تمامًا.
صفته المميّزة أنّه يملأنا ويتملَّك نفسنا من دون أن ينقص منه في ذاته شيءٌ. وإذاً خاصّته أنّنا نُصبح به أبناء الله، شركاء معه في طبيعته، بالشكل الملائم الذي يستطيع به المخلوق أن يشارك طبيعة الخالق.
يسكن الروح القدس في الأخوّة، في المحبّة، في الصفح، في الشفافية. نطلبه ولا نأمره، نتقبَّله أو نرفضه حين يجيء، ولا نعرف متى وكيف يجيء. حين نتقبّله نعرف أنّه هو الذي تقبَّلنا واختارنا. أمّا حين نرفضه فبكلّ تأكيد هو الشيطان الذي طغانا كي نرفضه. وإذا أقررنا بذلك، ففي الحال يتبخَّرُ الشيطانُ عنّا ويعودُ الروح القدس فيتقبّلُنا ثانيةً. وإذاً موقفنا من الروح القدس هو: تعال أيّها الروح القدس! وما لم يأتِ، من الخارج، من فوق، من المسيح ذاته، باستقلال تامّ عنّا، فعبثٌ كلّ شيء اسمه لاهوت. إنَّ اللاهوت الحقيقيّ هو من صنع الروح القدس وليس من صُنعنا.
شارل مالك
"به كان كل شيء"