الحُبُّ الأكبرُ هو التواضُعُ الأكبر «القوت اليومي
يا نبعَ الحياة الذي شَربَ منه المائتونَ فَحَيُوا
تدفّقَ عليّ، رَوِّ ظَمإي من يُنبوعِك.
أيُّها السَّقيُ الذي اندفقَ على الأرضِ العطشى فأثمَرَتْ،
هَبْ لي أن أشربَ منكَ فأهتِفَ وأعلِنَ كمْ أنتَ عذْبٌ.
أيتُها البئرُ الجديدةُ التي احتقرها الرُّمحُ على الجُلجُلة،
هُبَّ واسْقِ ضميري الفقير إلى يَنبوعِكَ.
يا ابنَ الله، يا من دعوتَ نفسَكَ بالماء الحيّ،
هَبْ لي أن أشربَ وأرتويَ منكَ فأحدِّثَ عنكَ.
أيّتُها السَّاقيةُ التي تدفّقتْ من ذُروةِ العُلى إلى الأرض،
هَبْ لعقلي بِسَقْيكَ أن يجنيَ ثمارَ المجدِ لأبيكَ.
أعطني أن أُحدِّثَ عنكَ، لا لأحُدّكَ، يا من لا حدَّ لَكَ،
بل لأُبشِّرَ سامعي بأنّكَ لا تُدرَك.
ومن يُدرِكُكَ ليُحَدِّثَ عنكَ يا ربّنا، كما أنتَ،
سوى الحُبِّ الذي تسمو قصّتُهُ على المحَدِّثين؟
بقدرِ ما يُفسَحُ للحُبِّ، هو يُحدّثُ عن ظهورِكَ،
هَبْ لي كلاماً يَصِفُ جمال اتّضاعِك.
مِنَ المركبَةِ إلى جحشٍ وضيعٍ ابنِ أتان،
أنزلَكَ حُبُّكَ، فَمَنْ لهُ بأن يحكي حكايَتَك؟
بَدَلَ جوقِ الكَروبين لا يُستقصى
طافَتْ بِكَ رَكوبَةٌ وضيعَةٌ في أرضنا، فكيف أُوَفّيكَ؟
مِن بينِ عجلاتِ اللهيبِ والوجوهِ والأجنحة،
حملتكَ مراحِمُكَ، فإذا بابنِ أتانٍ يطوفُ بكَ.
مِنْ عَظَمَةِ العرشِ يَغمُرُهُ النّور،
إلى الصِّغَرِ ساذجِ الحُبِّ مع الأولاد.
من بين الصُّفوفِ وأجواقِ اللّهَب،
إلى جمعٍ صغيرٍ حاملٍ الأغصانَ في شوارعِ صهيون.
فكيفَ يُحدِّثُ بقصَّتِكَ مُحَدّث؟
وفي أيّ مكانٍ يُحَدِّثُ عنك الفّمُ إن حَدّث؟
هُوَذا ضياؤكَ على المركَبَةِ يَبْهَرُ السّماويّين،
وبينَ الأرضيّينَ يَحمِلُكَ جحشٌ وضيعٌ حقير.
إنّكَ مُبارَكٌ في ضجيجِ العجلاتِ النّاطِقَة،
ومُمجّدٌ بأغصانِ النّخلِ في الجماهير.
إنّكَ فوقُ وتحتُ، في العظمَةِ وفي الصِّغَر،
في العُلى والعمق؛ فمن يوَفّيكَ وصفاً؟
(نشيد أحد الشّعانين)
قراءةٌ من مار يعقوبَ السَروجيّ (+521)