اتحادُ الرُّوح القُدُس بالنَفْس «القوت اليومي
اتحادُ الرُّوح القُدُس بالنَفْس
أمَّا في ما يَتَعَلّقُ باتّحادِ الرُّوحِ الحَميمِ مَعَ النَفْس، فلا يَقومُ بِدُنوٍّ مَكانِي (إذ لا يُمْكِنُ الجَسَدِيَّ أنْ يَدنو مِنَ اللاجَسَدي)، بَلْ بِإقْصاءِ الأمْيالِ التي تُهاجِمُ النَّفْسَ مِنْ جَرّاءِ حُبِّها لِلجَسَد، وَتَفْصِلها عَنْ صَداقَةِ اللهِ الحَميمَة.
إذَنْ فالتَطَهُّرُ مِنَ السَماجَةِ المُسَبَّبَةِ عَنِ الرَذائِل، وَالعَوْدَةُ إلى جَمالِ طبيعَتِنا، وإعادَةُ الشَكْلِ الأصيل،على نَوْع ما، إلى الصُورَةِ المُلوكِيَّةِ والطَهارَة، تُشَكِّلُ جَميعُها الشَرْطَ المَطْلوبَ لِلدُنُوِّ مِنَ البَراقْليط . أمَّا هُوَ فَكَشَمْسٍ تَسْتَحْوِزُ على عَيْن جَزيلَةِ النَقاء، يُريكَ في ذاتِهِ صُورَةَ اللامَنْظور، وَبِالتَأمُّلِ السَّعيدِ في الصُورَة، تُشاهِدُ الجَمالَ الفائِقَ الوَصْفَ الذي يَتَحَلّى بِهِ النَموذَجُ المِثالِيُّ الأعْلى.
بِهِ تَرْتَفِعُ القُلوب، وَيُقادُ الضُعَفاءُ بِاليَد، وَيَغْدُو النَاجِحونَ كَامِلِين. وَهُوَ مَنْ ألْهَمَ المُنَقَّينَ مِنْ كُلِّ وَصْمَة، يَجْعَلُهُم "روحانيِّين" بالاشْتِراكِ مَعَهُم. فَكَما أنَّ الأجْسامَ الشَفّافَةَ واللّمَّاعَة تُصْبِحُ مُتَلألِئَةً عِنْدَما يَسْقُطُ عليها شُعاعٌ وَضَّاء، وَهِيَ تَنْشُرُ بِدَوْرِها لَمَعاناً آخَر، هَكَذا النُفُوسُ الّتي تَحْمِلُ الرُّوحَ القُدُس: فإنَّها، إذْ يُلْهِمُها هُوَ تُصْبِحُ "روحانية" وَتَنْشُرُ النِعْمَةَ على الآخَرين.
وَعَنْ ذا يَنْجُمُ كُلُّ شَيْء: التَنَبُّؤُ بالمُسْتَقْبَلِ وَفَهْمُ الأشْياءِ الغامِضَة، وإدْراكُ الأشْياءِ الخَفِيَّةِ وَتَوْزيعُ المَواهِب، والاشْتِراكُ في حَياةِ السَّماءِ والتَرْنيمُ مَعَ أجْواقِ المَلائِكَة، والفَرَحُ الذي لا يَنْتَهي والسَكَنُ الدائِمُ مَعَ الله، والتَشَبُّهُ باللهِ والمُشْتَهَى الأسْمَى: أيْ "أن يُصْبِحَ الإنْسانُ إلهاً".
تلك هِيَ المَفاهيمُ – وَلَمْ نُورِدْ مِنْها سِوَى عَدَدٍ ضَئيل ــ التي تَلَقَّنَّاها مِنْ تَعاليم الرُّوح القُدُسِ ذاتِها عَنْ عَظَمَتِهِ وَمَكانَتِهِ وَأعْمَالِه.
(كتاب الروح القدس ، 9)