إكْرامُ العَذْراء «القوت اليومي
إنَّ مَرْيَمَ التي رُفِعَتْ بِنِعْمَةِ الله، بَعْدَ ابْنِها، فَوْقَ جَميعِ المَلائِكَةِ وَالبَشَر، أُمّاً للهِ قُدّوسَة، وَعاشَتْ أسْرارَ المَسيح، تُكَرِّمُها الكَنيسَةُ بِحَقّ، إكْراماً خاصّاً. وَبالواقِعِ قدْ لَقَّبَتْها بأُمِّ اللهِ مُنْذُ أقْدَمِ الأجْيال، وَالمُؤمِنونَ يَلجَأُونَ إلى حِمايَتِها، ضارِعين إليْها في كُلِّ مَخاطِرِهِمْ وَحاجاتِهِم.
لا سِيَّما مُنْذُ المَجْمَعِ الأفَسُسِي، حَيْثُ عَرَفَ تَكْريمُ شَعْبِ اللهِ لِمَرْيَمَ نُمُوّاً غَريباً، تَحْتَ أشْكالِ الإكْرامِ والمَحَبَّةِ والتَّوَسُّلِ إليها والتَّشَبُّهِ بِها، حَسَبَ كَلِماتِها النَّبَوِيَّة : جَميعُ الأجْيالِ تُطَوِّبُني، لأنَّ القديرَ صَنَعَ بيَ عَظائِم .
وإنْ كانَ هذا الإكْرامُ في الكَنيسَة، يَتَّسِمُ بِسِمَةٍ فَريدَة، فإنَّهُ يَخْتَلِفُ إخْتِلافاً جَوْهَريّاً عَنِ السُّجودِ الذي يُؤدَّى بالتَّساوي، لِلكَلِمةِ المُتَجَسِّدِ، وللآبِ ، وَلِلرُّوحِ القُدُس .
والأشْكالُ التَّقوِيَّةُ المُخْتَلِفَة لِتَكْريمِ أمِّ الله، التي أثْبَتَتْها الكَنيسَةُ ضِمْنَ حُدودِ تَعْليمٍ صَحيحٍ وَمُسْتَقيم، مُراعِيَةً ظُروفَ الزَمانِ وَالمَكان، وَمُيولَ الشَّعْبِ المُؤمِنَةَ وَمَناقِبَهُم، حَمَلَتِ المُؤمِنينَ، مِنْ خِلالِ إكْرامِهِمْ لِلعَذراءِ مَرْيَم، على مَعْرِفَةِ الابْنِ مَعْرِفَةً حَقَّة، وَعلى حُبِّهِ وَتَمْجيدِهِ وَحِفْظِ وَصاياه، هُوَ الذي لِأجْلِهِ خُلِقَ الجَميع، وَرَضِيَ الآبُ الأزَليُّ أنْ يَحِلَّ فيهِ المِلْءُ كُلُّهُ .
(دستور عقائدي في الكنيسة، 66)